رسالة في بريد الجنرال الهارب
قديماً قالوا عن الحرب : (المعرفة تسبق النصر .. والجهل يسبق الهزيمة)
عندما تجعل منك الصدفة أو الأقدار ضابطاً في الجيش السوداني وتحمل رتبة فريق أول على الأكتاف مع صفة قائد عام للجيش ، من المؤكد هذا ليس بالأمر الهين ، لأن القيادة الحقيقة والشجاعة مع إستشعار روح المسؤولية بالوطن والمواطن كاملةً ؛ أمرٍ عظيم وواجب مقدس ، لكن من المؤسف جداً أن تجد كل تلك الصفات النبيلة تكاد تكون معدومة تماماً في شخص جنرال العار والهروب الكبير عبد الفتاح البرهان وبقية جنرالات اللجنة الأمنية للبشير الذين أصبحوا مطيةً لشيوخ الحركة الإسلامية وألعوبة ومسخرة في إيدي مراهقي كتيبة البراء الإرهابية ، يصدرون لهم الأوامر و يصرفون لهم التعليمات العسكرية ووصل بهم الأمر والهوان لدرجة التجاوز في إصدار قرارات الحرب والدمار ، وذلك من قبل بداية الحرب التي أشعلوها وحتى ما بعدها ولازال حتى هذه اللحظة..
من اليوم الأول لسقوط نظام المؤتمر الوطني البغيض تواصل قادة الجيش وعلى رأسهم البرهان بشكلٍ دائم وراتب مع قادة الحزب المُباد و التنظيم الأسود ، وذلك من أجل إجهاض ثورة ديسمبر العظيمة والقضاء عليها ، وبعد إنقلاب كرتي البرهان سقطت كل الأكاذيب التي كانوا يروجون لها بأنهم جزء من التغيير وأنهم مع خيار الشعب وتطلعات الثورة وحمايتها والدفاع عنها ، ولكن حقيقة الأمر غير ذلك ، لقد ناصبوا الثورة العداء وفتكوا بشبابها ووضعوا أفي طريقها كل أدوات الشر والمؤآمرات التي إشتغلوا عليها ليلاً ونهاراً..
وصل حال الهوان والخنوع بالبرهان وبقية جنرالات الجيش أن يدخلوا حرباً خاطفة لا تتجاوز (72) ساعة مع قوات الدعم السريع (كما أخبرهم فلاسفة سجن كوبر) وبعدها تنتهي تماماً وإلى الأبد ، ويعود على بابا والأربعين حرامي مجدداً إلى السلطة ، هكذا خطط كرتي ورفاقه في السجن وجنرال العار الذي تواطأ معهم منذ اليوم الأول وغاب عنه تماماً مآلات ومردود تلك المغامرة الحمقاء الغير محسوبة تماماً أمام قوات مقاتلة في حجم قوات الدعم السريع ، قد حسمت في السابق كل العمليات العسكرية التي أوكلت إليها في عهد المخلوع ، بينما كان قادة الجيش يتسابقون في عالم الإستثمار والتجارة وتهريب موارد البلاد إلى الخارج من دون عائد على خزينة الدولة..
كان البرهان جزءً لا يتجزأ من قوات الدعم السريع لفترةٍ طويلة من الزمن يعلم كل صغيرة وكبيرة عنها ، ولكن أن يصل به الأمر لدرجة أن يقنعه كهنة الحزب البائد بضربة خاطفة وعندها ينتهي كل شئ ، فهذا أمراً غريب !!
كان يجب عليه التفكير في ذلك ألف مرة قبل الدخول في مغامرة هذه الحرب اللعينة والشروع في الإنتحار مع سبق الإصرار والترصد ! وقد كلفه ذلك فقدان غالب المقرات العسكرية وهزيمة نكراء ثم الهروب الكبير من عاصمة البلاد التي مات فيها المستعمر غردون باشا ، بكل شجاعة مدافعاً عن شرف الجندية تلك القيمة النبيلة التي إفتقدها البرهان أسوأ ضابط مسجل في كشوفات الجيش السوداني على مر التاريخ..
دخول هذا الرجل الغبي مندفعاً من غير وعي إلى أتون هذا الحرب وتلك المغامرة الحمقاء دون التحسَّب لمآلات الحرب وما يترتب عليها من آثار كارثية و مأساوية ودمار شامل ، أيضاً لم يتحسب للموت الجماعي والنزوح نحو الداخل أفرادً وجماعات تحت ظروف مادية ومعنوية سيئة للغاية وموجة من الرحلات الشاقة عبر المعابر خارج البلاد طلباً للأمن الذي إستحال أن يجدوهْ في وطنهم والفرار من جحيم الحرب التي قد وصفها بالعبثية ، ثم تنامي ظاهرة الفوضى وإنعدام الأمن وإستفحال الجريمة مع إختفاء تام لقوات الشرطة في طول البلاد وعرضها ، وشبه جمود لكل مظاهر الحياة اليومية للمواطن البسيط الذي يبحث عن رزق اليوم وما يسدُ به الرمق ، ثم شللٍ تام في دولاب العمل بالدولة وخروج عددٍ من المشافي عن الخدمة مع شبح إنعدام للغذاء والدواء يلوح في الأفق وذلك في حال إطالة أمد الحرب..
بدلاً عن (72) ساعة هاهي الحرب تدخل شهرها الثامن والبلاد خارج سيطرة قائد الجيش الذي هرب وترك الجنود الذين دافعوا عنه لمصيرهم المجهول ، وعاصمة البلاد قد تحوَّلت لركامٍ من الرماد وعزاءً مفتوح للنحيب والحزن والألم..
كل هذه التراجيديا السوداء كان بإمكان البرهان أن يتجنبها ويجنب البلاد والعباد ويلات الحرب والموت والدمار ويمضي بكل شجاعة ومسؤولية في خيار إصلاح المنظومة العسكرية بالدمج والتسريح المنهجي وإبعاد قادة التنظيم الأسود من الجيش ، الذين هم في تقديري العدو الأول والأخير له !
ويخبرنا التاريخ بأن الجيوش الإحترافية وذات الطابع المهني هي التي تجنّب شعوبها الموت والنزوح وتجنب بلادها الدمار والخراب ، ثم لا تسمح لفئة ضالة ومطلوبة للعدالة من السيطرة عليها وعلى قرارها وقادتها ، تلك هي الجيوش الوطنية بقدر ما تحمل الكلمة من معنى ومدلول ، لذلك وللأسف الشديد أسباب بقاء هذا الجيش قد إنتفت تماماً ، الجيش الذي هرب قائده ولم يغضب لذلك ، ثم الجيش الذي أجهض كل أنظمة الحكم المدني والديمقراطي ثم وقف في وجه الثورات وتطلعات الشعب السوداني نحو مشروع الحكم المدني الديمقراطي الراسخ ، ثم أصبح من بعد ذلك مليشيا مؤدلجة تتبع للحركة الإسلامية ، تشن الهجمات الإنتقامية دون هواده على الأبرياء ، في الوقت الذي هرب وإلتحق فيه كل قادة الصف الأول من الجيش بالفريق البرهان الذي كسب المعركة الوحيدة التي قادها ؛ وهي معركة الهروب الكبير..