الأستاذ شريف عبدالشافع المحامي يكتب: إنسداد الأفق السياسي في البلاد

فى خضم التنافس والتشاكس السياسى وعدم التوصل لصيغة توافقية لحكم البلاد وانسداد الافق السياسى وغياب الجهاز التشريعى وتعطل النظام القضائي فى قمة الهرم وتخبط الجهاز التنفيذى كل هذه المعطيات تقف حجر عثرة وتحول دون التقدم بل اقعدت بالبلاد واصبحنا قاب قوسين او ادنى من الانهيار .
لم تشهد الدولة السودانية فى مختلف الحقب التأريخية وفى ظل الانظمة الديمقراطية منها والشمولية تدهورا فى شتى مناحى الحياة كما نشاهده اليوم واخطر ما فى الامر عدم تمكن قادة البلاد السياسية والعسكرية من التوصل لصيغة توافقية لحكم البلاد لفترة انتقالية بعد سقوط النظام السابق .
المعلوم ان بلادنا رائدة فى مجال التجارب الديمقراطية بفضل النخب السياسية التأريخية وما تركوه من ارث سياسى مصقول بخبرات علمية وعملية وبفضل رجال جبلوا على الوطنية همهم رفعة البلاد زاهدين فى عرض الدنيا ومباهجها ولم تكن السلطة وسيلة للتكسب وتقيدوا بأدبيات العمل السياسى وتحلوا بالشجاعة فكانوا يستقيلون دون إنكسار ويتنحون فى سمو وكبرياء يمهدون الطريق لمن يأتى خلفهم يحفظون العهود والمواثيق . ولكن بعد تربع نظام الثلاثون من يونيو لسدة الحكم لثلاثين سنة كأطول فترة حكم بعد الاستقلال سعى النظام فى هذه الفترة الى تحطيم وتقزيم الاحزاب السياسية حتى فاقت المائة حزب تقرب هذا وتعادى ذاك واستطاع بهذه الطريقة ان يدق اسفين بين هذه الاحزاب فبدلا من الإئتلاف اصبحت السمة الغالبة الاختلاف واستطاع بذلك تحطيم اللبنة السياسية للبلاد. ولم يقف نظام الانقاذ عند هذا الحد فحسب بل سعى لابعد من ذلك وذلك باقحام القبيلة فى الحياة السياسية تحت مسمى البيعة لكسب الولاء وارضاءا لهم تم تقسيم المحليات على الاساس القبلى وتعيين ابناء القبائل فى تلك المناطق على اساس الولاء الحزبى بدلا عن الكفاءة ولاضعاف القبائل قام النظام بخلق زعامات موالية على حساب الزعامات التأريخية المتوارثة . وكانت الطامة الكبرى تشتيت طاقات الشباب مستقبل البلاد وذلك بزجهم فى حروب عبثية بإسم الدين فى جزء عزيز من بلادنا الحبيبة ذهب مأسوفا عليه نتيجة هذا الخطل السياسى فتم اقحام الشباب الى ميادين التدريب العسكرى طوعا وكرها وبلغ بهم الامر ان يطاردوا من الطرقات واحيانا اخرى يتم انزالهم من المركبات العامة وهم فى طريقهم لكسب لقمة العيش ونقلهم قسرا لجبهات القتال
ومن يعترض او يعارض مثل هذه الافعال يقاد الى المعتقل وما ادراك ما المعتقل . وبعد انفصال الجنوب اشعلوا دارفور ليشهد الاقليم اكبر مجزرة فى تأريخ البلاد مخلفة ما يقارب نص مليون قتيل واكثر من اربعة ملايين ما بين لاجئ ونازح ولم تقف الحرب الا بعد سقوط النظام
خلاصة القول اننا اليوم نحصد ما زرعه النظام البائد فى مفاصل الدولة من امراض وهنالك حقائق لابد من التسليم بها

اولا: يجب ان نسلم جميعا ان سبب سقوط النظام السابق وان تعددت الوسائل هو الظلم الذى مارسه النظام ولم يسلم منه بيت او اسرة من الشعب السودانى.
ثانيا : ان يعى السياسيون والعسكريون ان الشعب السوداني لا يمكن تطويعه بالقوة وبالذات الشباب
ثالثا : ان الخاسر الاكبر قبل وبعد سقوط النظام وحتى الان هم فئة الشباب تم تجهيلهم. وقضوا حربا. واستشهدوا من اجل الثورة. اغلب الجرحى والمعاقين منهم. وأن الاغلبية لا ينتمون لاحزاب سياسية . كانوا وقود الثورة والآن المحرك للشارع والمتصدر للمشهد رغم الاقصاء المتعمد
رابعا : بعد سقوط النظام المفاجئ شهدت البلاد نظاما لم نألفه من قبل اذ لم يكن عسكريا صرفا ولفترة انتقالية معلومة وكذلك لم يكن انتقالا سلسا لحكومة كفاءات مستقلة لتصريف شؤون البلاد لفترة مؤقتة.
حيث كان الوريث مسخا سياسيا مشوها غير مستبين الخلقة
خامسا توقفت عجلة الانتاج تماما وتدهور مريع فى البنية التحتية وتشوه تام للمظهر العام وانفلات امنى وخاصة ازدياد جرائم الخطف والنهب والسطو الليلى
سادسا : رغم كثرة المبادرات والاليات وما تسفر عنها من مخرجات وتوصيات الا ان الحل يجب ان يكون بأيدى سودانية خالصة تتشابك متى ما سنحت الظروف لأن الذى يلوح لك من على البعد لا ينقذك عند الغرق.
سابعا : ان كثرة المسميات وتحوير الحقائق لادعاء الافضلية او لكسب الوقت لا يجدى نفعا فقد سئمنا وسئم الشعب منها فلم يعد قادرا لفهم هذه المصطلحات( وثيقة دستورية او دستور المحامين او اتفاق اطارى او اتفاق نهائى او اتفاق جوبا او كيان او درع او حركة) . فليست العبرة فى المواثيق او الدساتير وانما العبرة فى حفظها وصونها والعمل بها . فقد ترك لنا ساستنا السابقون من دساتير تصلح ليوم الدين وما يخرجه لنا ساسة اليوم ماهى الا اقتباسات و قصاصات يتسلون بها لكسب الوقت وما احوجنا لهذا الوقت المهدر فى القاعات والقصور.
ثامنا : اربع سنوات مضت من عمر الثورة كانت كفيلة باشباع رغبة عسكرى غيور لتسليم السلطة لو تركت له منفردا كفترة انتقالية.
اربع سنوات مضت كانت كفيلة بتأسيس حزب جديد وتجهيزه للاستعداد لخوض انتخابات ما بعد الانتقالية.
اربع سنوات كفيلة بحصول من يجلس على الترس لدرجة البكالريوس.
اربع سنوات كفيلة لخال بحفظ كتاب الله الكريم
اربع سنوات كفيلة بنيل درجة الدكتوراة فى دساتير السودان ناهيكم عن كتابة دستور .
اربع سنوات ضاعت وستضيع مثلها ان لم نتفق على ما هو متفق عليه بفطرتنا ولكن كيف ذلك والانانية وحب السلطة والاقصاء وادعاء المجد والجهوية والعنصرية وغيرها من الاسباب تقف حجر عثرة.
وفوق هذا وذاك طغى على السطح الاستقطاب والتشرذم وخطب الكراهية بدلا عن التوحد لاخراج البلاد من المستنقع الآسن .
دعوة خالصة لعقلاء بلادى الحادبين على مصلحته و الحاكمين على وجه الخصوص رفقا بهذا الشعب الطيب واتقوا دعواته فإنكم لا تسمعون سوى الألقاب المنمقة من اصحاب الحظوة من قبيل صاحب الفخامة والسعادة والسيادة ولكن شعبكم المكلوم يلعنكم ويسبكم ويسخطكم ولكن أنى تسمعون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.