الطاهر أبوجوهرة: ملاحظات على خطاب البشير

 

قلنا في مقال سابق تحت عنوان كيف يفكر البرهان : إن ثمة قوة سياسية ذات ذكاء عال ومقدرات هي خلف رسم مسار المشهد السياسي وبدقة .. وهكذا ينبغي أن ننظر الي الاعتراف غير الخطير الذي قدمه الرئيس السابق البشير أمام المحكمة عندما تحمل المسؤولية الكاملة لانقلاب 1989 .. نعم .. لابد من ملاحظات وعدة أسئلة .. السؤال الذي يطرح نفسه أولا هذه المحكمة استمرت لفترة بعيدة لم يقل فيها القضاء كلمته لماذا ؟ ، ثم القضية نفسها تعتبر وفقا لمضابطها الجنائية باطلة من حيث العمر والتقادم فإعتمدتها المحكمة ولم تشطبها لماذا ؟ .. فهذه المحكمة سياسية بامتياز ، فنظام الإنقاذ تعامل معه المجتمع الدولي ووقع معه كثير من الأوراق ذات الطابع الدولي الرسمي المشترك وهذا اعتراف ضمني بقبول فكرة تحول الانقلاب إلى الشرعية وإلا لما تعامل معه المجتمع الدولي بصفة رسمية ، وفوق ذلك كل الأحزاب والقوى السياسية التي تصنف نفسها بأنها قوى الثورة الآن تعاملت مع الإنقاذ كنظام سواء عبر المشاركة في الحكم ككيانات أو الاستفادة المادية كأفراد .. وهكذا .. يمكن أن نقول إن القضية بكلياتها ماهي إلا ملهاة ليس لها سند خلقت ربما لتكون إجراء استباقيا لسد أبواب الزرائع لاحقا ، بمعنى ، الإنقاذ تحاكم الإنقاذ ولنضحك وليتشارك الجميع النكتة .. نعم .. نعود .. حديث البشير خلال خطبة المرافعة واضحا إنه حديث مرتب ، دقيق ، أخرج بصورة مؤداها إعادة شخصية البشير إلى المشهد باعتباره القائد الذي لم يتنصل وفي هذه.. رسالة تحمل مضامين خاصة للجيش .. والقصة برمتها .. هي .. إن المخرج ( ربما) أقنع البشير بالفكرة بإن يقبل بأن يكون الضحية ويتحمل كل شئ ، ليعقِّد ويربك مسار المحكمة التي تهدف ( شكلا ) لمحاكمة الحركة الإسلامية . فإعتراف البشير هذا يكون بجلاء قد قدم براءة واضحة لبعض المتهمين في الجانب المدني ، خاصة الدكتور علي الحاج الامين العام للمؤتمر الشعبي الذي أكد للمحكمة خلال استجوابه إنه لايعلم شيئا وغير مشارك لأنه غير موجود بالبلاد لستة أشهر قبل وقوع الانقلاب ، وجاء للسودان بعد سبعة أشهر بعد وقوعه وقدم مستندات لتثبت ذلك فقبلتها المحكمة وهيئة الاتهام بإعتبارها مستندات رسمية لاطعن فيها ، فبالتالي إذا كانت المحكمة طبيعية لتم إطلاق الدكتور لعدم ثبوت الأدلة ولكن ؟! وبالرجوع لخطاب البشير امام المحكمة وبتحليل عميق لملامح البشير تتضح بعض الحقائق ، اولها تغيير الملامح والهيئة خلاف مظهره في الجلسات الأولى للمحاكمة ، ثانيها البشير كان مريضا في سجنه لفترة طويلة حتى تهادت أنباء بتدهور حالته الصحية فمن أين جاءته هذه العافية العاجلة ليتحدث وكأنه يخاطب حشود في ساحة سياسية ، ثالثها : حاول البشير من خلال الخطبة أن يثبت قوة شخصيته وذلك من خلال تبديل وتغير ملامح وجهه وهذه التبديلات على الملامح تعتبر جزئيات مهمة في دراسة فنون الخطابة وهي لا تأتي للفرد إلا في حالة من الاطمئنان والحماس الزائد فما السر وراء هذه الطمأنينة و بناء على التجارب مهما يكن شكل المناخ لايستطيع أي متهم أن يكون على هذه الثقة ، رابعها : الخطبة معظمها سياسية تحدث فيها البشير بأريحية ولم يعترضه القاضي كما فعل مع بعض المتهمين سابقا عندما قاطعهم بانها محكة وليست منصة سياسية ، خامسا : البشير قدم مبررات لقيامه بالانقلاب وهي مبررات لاتخدم مسار القضية ومعروف من حيث القانون هذه المبررات يجب على القاضي اعتراضه عليها لأنه مهما توافرت المبررات فالانقلاب ممنوع ، سادسا : منح القاضي البشير زمن كاف ليسخر من النظام الذي انقلب عليه في فشله وعجزه في كل مناحي الحياة وهذا مثير للدهشة وسط صمت القاضي ، سابعا : ملامح القاضي في حركات عينيه ورأسه وملامح وجهه تشير لحدما كأنه يوافق البشير فيما يقول ، ثامنا : لاحظ ملامح بقية المتهمين بالقاعة فهم على استرخاء تام كأن الحديث الذي يتفوه به البشير سمعوه من قبل عدة مرات بالرغم من ان الحديث غير مجريات المحاكمة تماما ، تاسعا : المتهمون بعد انتهاء الجلسة كانوا يضحكون حالة أشبه باسارير جمهور خرج للتوء من عرض مسرحي لمشاهد كوميدية أجاد فالممثلون على المسرح .. عاشرا : الحالة الإعلامية أو التي إستقبل بها إعلام المؤتمر الوطني لخطاب البشير جميعهم تحدثوا واتفقوا في جانب واحد وهو بطولة البشير أي بتصويره وإعادة إنتاجه كأسد لإفريقيا كما في السابق . على كل حال يجب على الراي العام في سياق مجريات القضية أن يركز بكلياته في موضوعية القضاء وحياديته وإستقلاليته ومن ثم عدالته فهي الأشياء المهمة في صفحات هذه القضية التي ينبغي أن تنتهي مقدمة صورة طيبة للقضاء ليكون موثوقا به في ظل هذه التداخلات التي تكاد تعصف بمواعين البلاد .

ودق :

ومن لم يجد صبرا لكتمان سره

فليس له شيئا سوى الموت أنفع

رغد :

هي كيف المجاعة

ياسيد المحبة

واحد في يومو بعيش على وجبة

وواحد محزم بطينتو بصبة

وواحد معبّه

وآخر بيكدح ليظفر بحبه

وواحد بينده مزرقن في قُبّه

وواحد بتلب في نص الليالى

مجازف معافر

يصرخ ينادي

الجوع ده كافر.

مكابد بدافر

وواحد مرطِّبْ يدس للمحافر

عشان المقابر .. تكون في السطوح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.