هل يدفع تقرير ال CNN البرهان والاسلاميين إلى المحكمة الجنائية؟

 

انقلاب دولي في السودان

هل يدفع تقرير ال CNN البرهان والاسلاميين إلى المحكمة الجنائية؟

 

–احمد عثمان محمد المبارك المحامي–

 

​إن التقرير الذي نشرته شبكة CNN الأمريكية حول المجازر والانتهاكات المروعة التي ارتكبتها القوات المسلحة السودانية (SAF) والميليشيات الإسلامية المتحالفة معها في ولاية الجزيرة، عقب انسحاب قوات الدعم السريع (RSF) ودخول الجيش، يمثل نقطة تحول خطيرة وقد يغير بشكل جذري الموقف الدولي تجاه الصراع الدائر في السودان.

​وقد وصف التقرير هذه الأفعال بجرائم حرب وإبادة جماعية، وهو ما يضع الأطراف المتهمة، وفي مقدمتها قيادة الجيش السوداني وعلى رأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والحركة الإسلامية التي يشار إليها كقوة دافعة خلفه، في مواجهة اتهامات ذات تداعيات قانونية وسياسية هائلة.

 

ف​منذ اندلاع الصراع، كان التركيز الدولي منقسماً بشكل كبير،  على الإدانة عامة للعنف ودون اتخاذ خطوات حاسمة أو تحديد واضح للمسؤولية القانونية على مستوى الجرائم الجماعية، باستثناء الاتهامات الموجهة للدعم السريع في دارفور.لذلك فإن هذا التقرير، بتركيزه على الانتهاكات التي يرتكبها الجيش والميليشيات التابعة له، يوازن السردية الدولية التي كانت تميل في البداية إلى إدانة قوات الدعم السريع بشكل أكبر، خاصة فيما يتعلق بجرائم دارفور. الان أصبح المجتمع الدولي أمام صورة متكاملة لأطراف ترتكب انتهاكات جسيمة على نطاق واسع.

​إن استخدام مصطلحات مثل (جرائم حرب) و (إبادة جماعية) يرفع من مستوى الضغط الأخلاقي والقانوني على الحكومات والمؤسسات الدولية (مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية) لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تتجاوز مجرد الدعوات لوقف إطلاق النار، هذا بالاضافة الى تعقيد العلاقات الدبلوماسية في  الدول التي كانت تقدم دعماً سياسياً لوجستياً غير مباشر للجيش السوداني بحجة أنه (الشرعية) والتي ستجد صعوبة بالغة في تبرير موقفها أمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية، مما قد يدفعها إلى مراجعة علاقاتها.

 

كما يوجه هذا ​التقرير ضربة قاسية لموقف البرهان في الداخل والخارج، خاصة وأنه يصور نفسه كحامي للسودان ومؤسساته. ووفقاً لمبادئ القانون الجنائي الدولي، يتحمل القادة العسكريون والمدنيون مسؤولي الجرائم التي ترتكبها القوات تحت إمرتهم (مسؤولية القيادة). لذلك فإن إدانة القوات المسلحة بجرائم إبادة جماعية تضع البرهان مباشرة في دائرة الاتهام بصفته القائد العام، مما سيفقده أي شرعية دولية متبقية له كرئيس للمجلس السيادي. وستضطر الدول التي كانت تستقبله كشريك محتمل للسلام إلى التفكير ملياً في التعامل معه خوفاً من التورط في دعم شخص متهم بجرائم فظيعة.

​كما يمكن أن يفتح هذا التقرير الباب أمام فرض عقوبات دولية جديدة وموجهة ضد كبار قادة الجيش والمحركين المدنيين من خلف الستار، بما في ذلك تجميد أصولهم ومنع سفرهم.

وبما ان  الحركة الإسلامية وبقايا نظام البشير والمؤتمر الوطني جاء ذكرهم في التقرير كمستفيدين رئيسيين من الصراع، حيث استغلوا الحرب لإعادة تنظيم صفوفهم والعودة إلى واجهة المشهد عبر دعمها للمجهود الحربي للجيش.

​وقد اشار التقرير بوضوح إلى الميليشيات المتحالفة مع الجيش، والتي يرى العديد من المراقبين أنها واجهات تنظيمية للحركة الإسلامية أو مكونات نشطة منها (مثل كتائب البراء بن مالك). هذا سيربط الحركة الإسلامية بشكل مباشر بجرائم الحرب المرتكبة.

وكما هو معلوم ان الحركة الإسلامية تسعى للعودة التدريجية للحكم عبر بوابة الجيش، فان هذا التقرير يقدم دليلاً قوياً للمجتمع الدولي على أن تمكين هذه الحركة يؤدي إلى ارتكاب أفظع الجرائم، مما يصعب جداً على أي قوة دولية أو إقليمية أن تدعم حكومة يشارك فيها قادة هذه الحركة.

​إن وصف التقرير  للجرائم بالإبادة الجماعية يضعها مباشرة تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، مما يمكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يفتح تحقيقات جديدة تستهدف قادة وضباط الجيش السوداني وكبار قادة الميليشيات المتحالفة معهم والمتورطين في انتهاكات ولاية الجزيرة. وفي حال تم إثبات أن قادة مدنيين من الحركة الإسلامية قد أصدروا أوامر أو خططوا أو حرضوا أو مولوا هذه الجرائم، يمكن أيضاً إدراجهم في مذكرات التوقيف بتهمة التواطؤ أو المساهمة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية.

​ووجود مذكرة توقيف سابقة بحق الرئيس المعزول عمر البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية يثبت أن ملف السودان مفتوح أمام المحكمة، مما يسهل التحرك بخصوص الانتهاكات الجديدة، كما يمكن أن يطلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية توسيع نطاق تحقيقاته ليشمل الانتهاكات المرتكبة في ولاية الجزيرة، كما حدث سابقاً في دارفور.

​ان هذا التقرير الصادر من CNN احدى كبرى المؤسسات الإعلامية ذات الموثوقية في العالم، حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة سيشكل  أزمة وجودية للقيادة العسكرية السودانية والحركة الإسلامية. فهو يقدم دليلاً موثوقاً يربطهم بأفعال ذات طبيعة قانونية خطيرة، مما يعزز موقف الدول الداعمة للمساءلة ويزيد من احتمالية فرض عقوبات دولية وتوسيع نطاق التحقيقات الجنائية لتشمل كبار الضباط والقادة المدنيين الاسلاميين من وراء الستار. وسيفرض هذا التقرير على المجتمع الدولي عدم الانحياز المطلق لأي طرف ويدعو إلى التعامل مع جميع الأطراف كمرتكبين محتملين لجرائم جماعية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.