مجدي إسحق يكتب .. من أين جاء….. كل هذا الشر والكراهية؟
من أين جاء….. كل هذا الشر والكراهية؟
مجدي إسحق
جرح مجزرة الاعتصام ..جرحنا النازف الذي يزداد نزفه وألمه كلما استشرفنا ذكراه مازلنا نعيش الصدمة وسنعيشها لدهور ولن تفارق مخيلتنا الوادعة. وبين الجراح نبحث عن إجابة.. كيف يمكن ان تكره كل هذا الجمال.. الاعتصام مدينتنا الفاضلة.
وأجمل ما فينا من وداعة وتكافل.. . مستقبلنا وثقافة الحب والمحبة. من أين أتى هذا الشر؟ في ذلك الصباح المشئوم كيف استطاعوا أن يستسهلوا قتل من كان يهتف معهم وهم يتجولون وسطهم لشهور.. ويغتصبون من كانت تقدم لهم الطعام حبا وكرامه.. كيف أصبحوا بهذه القسوة ومن أين أتى هؤلاء الوحوش؟ هل يعقل ا ن يكون لهم ضمير ومشاعر مثلنا.. ؟ نتساءل ونحاول خداع أنفسنا ونقول هل هم من لحمنا وترابنا أم أتوا من خارج الوطن بثقافة القتل والسحل وأنياب تمتص الدماء ولا يرمش لها طرف ولا تؤرق ضمائرها صرخة ألم ولا منظر اجساهم النبيلة مخضبة بالدماء.
الذي لاشك فيه أنهم قاموا من تراب هذا الوطن الجميل ولكن فارقوا ليس تاريخنا واخلاقنا بل فارقوا ما نعرفه عن البشر ودخلوا عالم الوحوش بأوسع أبوابه وتشبعوا بأخلاقه وتعطشه للدماء.
لا نحتاج لكثير عناء لنعرف من أين جاءوا وكيف تحولوا من بشر أسوياء يفشون السلام و يمشون في الأسواق إلى وحوش لا تعرف الرحمة.. ليس لها ضمائر تمنعها من القتل والاغتصاب وزرع الرعب والألم.
نحن نعلم كيف تكون هذا المسخ إن علم النفس يشرح كيف يتحول الإنسان لوحش وكيف يتراجع البشر لمدارك الحيوان وذلك عندما يتم كبح الأنا العليا التي تمثل مخزن الأخلاق والقيم لدينا وما الذي جعلها تفقد السيطرة مما يقود لإطلاق الغرائز الحيوانية بلا رقيب.
إن الأنا العليا هي مستودع الأخلاق والقيم التي تسيطر على البشر وتسمو بهم لمراتب الإنسانية فتسيطر على الغرائز وتهذب الدوافع وتأسس لقيم الضمير والندم اذا تجاوزنا هذه القيم.
لا تموت الأنا الأعلى ولكن يتم تحويرها وتشكيلها وتغيير معايير الأخلاق لكي نخلق وحشا ما علينا الا سحب قيم الإنسانية وزرع قيم الشر والكراهية.
وهذا ما فعله الكيزان وزبانية الإسلام السياسي.. زرعوا الكراهية تجاه الآخر وسحبوا منه قيمته كانسان وشيطنوه ليجعلوه هدفا لوعيهم المزيف فاستغلوا حبنا لديننا الحنيف وغلفوا كل قيم الشر بدعاوي هي لله.. وأصبحت الأنا العليا مسخا مشوها مستودعا للفضيلة الزائفة التي تبرر لكل انفلات وتوحش.
فإذا دخلنا في دهاليز الأنا العليا لديهم فلن نجد سيطرة لتقاليد شعبنا في العطف والمحبة ولن نجد إرث العالم في حقوق الإنسان واحترام الآخرين وضرورة تقديس وجودهم و سنجد بدلا عنها دهاليزا من الكراهية واحتقار الآخر والتعامل معهم كأدوات ليس لها قيمة ولا وزن يسهل قتله وسحله واغتصابه. هذا التحوير صنعه فكر مأزوم خلق عالم من الكراهية وشحن الطاقات بضرورة إزالته تحت ستار إنها إرادة السماء.. اعتمد على آلة جهنميه من علماء السلطان والأقلام المأجورة لتعطي قدسية لمشروعه.
كراهية بأن الأخر ليسوا بشر بل كفارا أعداء الدين وشيوعيين وعملاء للغرب هدفهم هدم الدين وعليهم شرف حمايته. تعطيهم حق الظلم والإفساد فقد افتى علماء الشيطان بوجوب قتل نصف الأمه ليستقيم أمر العباد. وليس بعيدا عندما دعاهم قائدهم للقتل والسحل وعدم إحضار أسير.
إن الوحش الذي استباح دماء شرفاء الاعتصام هو نفسه الذى دشن ثقافة العنف في تاريخنا فهو الذي أسس لبيوت الأشباح وتعذيب المعتقلين.. وهو الذي احرق القرى في دارفور وهو الذى رمى حمم نيران الانتينوف على أطفال جبال النوبة وهو الذي نشر ثقافة الاغتصاب فهم سبايا في فكرهم المأزوم.
إن الذي خلق هذه الوحوش مسئول عن اي نقطة دم سالت وإن مسئوليته لا تقل عن من ضغط على الزناد ان لم نقل أكثر وأكبر. إن شعبنا عندما رفض الإنقاذ ورفض مشروعها الحضاري.. رفضها لأن مشروعهم هو مشروع الوحش الذي لا يشبهنا.. مشروع يستبيح الأعراض والأرواح ويستلب من البشر أجمل ما فيهم من قيم الإنسانية.
فرأوا زوال قبحهم في دولة الاعتصام ونم يهتفون ضد العنصري ومغرور.. ينادون ضد العنف بالسلمية.. وبالمحبة ويغني لها ويؤمن بالمدنية وماقيها من إرث إنساني يقنن لحق الإنسان في حياة كريمة وآمنه.
نقول أخيرا إن الوحش خرج من بين جلابيبنا.فلا نبحث بعيدا. انتجته فئة باغيه تلفحت بثوب الدين زيفا ورفعت شعارات الإسلام السياسي.
إن الوحش كيزاني القلب و الهوى صنعه فكرهم المأزوم وتمدد سرطانا في جسد شعبنا طوال عهد التيه ظلما وتجبرا. لذا لن يستقيم المستقبل ان لم نزيل منبع الشرر. ولن يموت الوحش وأخلاقه إن لم نحاصر من صنعه نعريه وندمغ على وجهه القبيح بوزر الجريمة إلى يوم الدين.
إن وقوفنا ضد الكيزان إنما فرض عين على كل إنسان يرفض وجود الوحش بيننا.. رافضا الخبث وثقافة العنف والبربيه.. لذا فلا تراجع عن دولة القانون التي تحفظ للإنسان قيمته.. وتسمح لتلاقح الأفكار وانتشار الوعي ليطرد فكر خفافيش الظلام وليرجع الوحش الى قمقمه محبوسا بقيم السلام وحقوق الإنسان.. مع غسل كل تشوهات المسخ في دواخلهم والغضب وكراهية الآخر الذي ينهش في انسانيتهم المسلوبة هو الخطوة الأولى في بناء وطن السلام والمحبة.
مداميك