الزين عبد العزيز يونس يكتب: كيف يصحو الجيل الذي تأثر بالحروب؟
كيف يصحو الجيل الذي تأثر بالحروب؟
✏️ بقلم: الزين عبد العزيز يونس (Alzain Abdelaziz Younis)
تترك الحروب والنزاعات المسلحة آثارًا عميقة في نفوس الأفراد، خاصةً الشباب الذين يشكلون العمود الفقري والركيزة الفاعلة لأي مجتمع. فجيل نشأ وسط الدمار، والحرمان، والخوف يصبح معرضًا لفقدان الأمل، وتشوهات الهوية، وانعدام الثقة بالمستقبل.
لكن، رغم الجراح، يظل الأمل قائمًا. فكيف يمكن لهذا الجيل أن يصحو ويستعيد دوره في بناء ما هدمته الحرب؟
أولاً. الاعتراف بالألم والتجربة
الخطوة الأولى نحو الشفاء هي الاعتراف بما مرّ به هذا الجيل. لا يجب تجاهل الألم أو محاولة دفنه، بل من الضروري فتح المجال أمام الشباب للتعبير عن مشاعرهم وتجاربهم، سواء من خلال جلسات الدعم النفسي، أو عبر الملتقيات، أو حتى من خلال الكتابة.
هذا التعبير لا يخفف العبء فقط، بل يُعدّ أولى خطوات التصالح مع الذات.
وهنا تحضرني مقولة الفيلسوف إيكهارت تول:
“إن كتلة الألم ليست حتمية، بل فرصة للنمو الروحي والتحرر. سواء كنا أفرادًا أو شعوبًا، يمكننا تجاوز الألم بالوعي، والتواجد في اللحظة، والامتنان. الشعوب التي تتحرر من كتلة الألم تستطيع أن تعيش في سلام داخلي وخارجي، وتبدأ في بناء مستقبل مشرق بعيدًا عن ظلال الماضي.”
ثانيا ً. التعليم: أفضل طرق النهوض
غالبًا ما تقطع الحرب سبل التعليم، لكن إعادة ربط الجيل بالعلم والمعرفة ضرورية.
كما قال ابن خلدون: “إن التعليم من أعظم الأسباب الموصلة إلى كمال العمران.”
فهو الوسيلة المباشرة للنهوض، إذ لا يمنح التعليم المهارات فقط، بل يزرع الأمل أيضًا.
يجب الاستثمار في مبادرات تعليمية مرنة تراعي الواقع الجديد، وتدمج برامج لإعادة التأهيل النفسي، وبناء القدرات، وتعليم المهارات الحياتية.
ثالثاً. خلق فرص عمل ومشاريع مجتمعية
الفقر والبطالة بعد الحرب قد يدفعان الشباب نحو العزلة أو التطرف. لذلك، من الضروري دعم المبادرات والمشاريع المجتمعية التي تمكّن الشباب من المساهمة الفاعلة، وتعزز شعورهم بالانتماء والمسؤولية.
فالشباب هم طاقة التغيير، وفي فترة ما بعد الحرب يصبح استثمار طاقاتهم في مشاريع ريادية أمرًا ضروريًا.
رابعاً. بناء سردية جديدة
الجيل المتأثر بالنزاعات بحاجة إلى رواية جديدة تحكي عن الصمود والتغيير لا عن الهزيمة.
على الإعلام، والمدارس، والمجتمع المدني أن يعيدوا تشكيل الذاكرة الجمعية حول قيم السلام والتغيير، حتى تُولد في الجيل قناعة أنه ليس ضحية، بل نواة لمستقبل أفضل.
قال تعالى:
“ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”
بهذا التوجيه القرآني، يتعلم المجتمع ألا ينهار تحت وطأة الماضي، بل أن يرتقي فوق الجراح.
وبدلًا من روايات الانتقام، يجب أن تتمحور السردية حول قيم التسامح، والعدالة، والمغفرة. إنها دعوة لإعادة تشكيل الوعي، ليس عبر التزييف أو الإنكار، بل عبر تسليط الضوء على ما لم يُروَ بعد: قصص القوة الخفية، والقدرة على التغيير، والأمل الذي لا يُقهر.
الرواية الجديدة التي يحتاجها هذا الجيل ليست مديحًا زائفًا ولا بطولات من ورق، بل اعترافٌ بالواقع مقرون بإرادة الفعل. إنها رواية تُولد من رحم معاناة الشعب لكنها لا تُقيم هناك.
خامساً. المصالحة وبناء الثقة
الحرب غالبًا ما تترك انقسامات عميقة بين أفراد المجتمع، والشك الذي تخلفه لا يُزال بسهولة.
لذا، من الضروري بناء جسور المصالحة، وفتح قنوات الحوار بين مختلف المكونات.
فالسلام الحقيقي لا يعني غياب صوت البنادق فقط، بل حضور قوي للعدالة، والاحترام، والتفاهم.
المصالحة عملية شفاء للذاكرة، واستعادة للروابط الاجتماعية.
قال تعالى:
“والصلح خير”
يؤكد القرآن الكريم أن الصلح هو الطريق الأفضل لدرء الفتن، وجلب المصالح، وبناء مجتمع متماسك.
—
خاتمة
إنّ صحوة الجيل المتأثر بالنزاعات ليست مسألة وقت فقط، بل تحتاج إلى إرادة ورؤية جماعية.
يجب أن تتظافر جهود الأفراد، والمؤسسات، والحكومات لبناء بيئة تعيد لهذا الجيل ثقته بنفسه وبمجتمعه.
فكل جيل نجا من الحرب، قادر على أن يصنع السلام إذا أُعطي الفرصة لذلك.