د. أحمد التيجاني يكتب:الحركة الديمقراطية السودانية (DM) و تحالف تأسيس TASIS: من الحراك الثوري إلى البنية المدنية المؤسِّسة للسودان الجديد
الحركة الديمقراطية السودانية (DM) و تحالف تأسيس TASIS: من الحراك الثوري إلى البنية المدنية المؤسِّسة للسودان الجديد
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
مقدمة
مع تصاعد الحراك الشعبي في السودان ضد الحكم العسكري، برزت “الحركة الديمقراطية” أو ما يُشار إليه اختصارًا بـ DM كمظلة لقوى مدنية ثورية متنوعة. هذه الحركة ليست كيانًا رسميًا بقدر ما هي تعبير عن مقاومة شعبية تستند إلى الشرعية الثورية والتطلعات لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على العدالة والمساواة.
تعريف الحركة الديمقراطية (DM)
تشمل الحركة الديمقراطية :
– الأحزاب السياسية المدنية غير المرتبطة بالانقلابات.
– لجان المقاومة.
– النقابات المهنية المستقلة.
– منظمات المجتمع المدني.
– شخصيات وطنية وحقوقية.
ما يجمعها هو:
– الرفض القاطع للحكم العسكري.
– المطالبة بدولة مدنية ديمقراطية.
– الدفاع عن العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
تاريخ موجز ومراحل الصعود
– ٢٠١٨–٢٠١٩: تصاعد المقاومة الشعبية ضد نظام البشير قاد إلى ظهوره كقوة فاعلة.
– ٢٠٢١–٢٠٢٢: بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر، لعبت دورًا محوريًا في رفض التسويات غير الشفافة.
– ٢٠٢٣–٢٠٢٥: تطورت لتصبح تيارًا سياسيًا وشعبيًا يرفض التفاوض السري ويفرض معايير واضحة لأي عملية سياسية.
آليات قياس قوة وتأثير الحركة
١. الشرعية الشعبية:
– الحشود في المليونيات، الالتزام بالعصيان المدني، تبنّي خطاب DM من الشارع.
٢. التمثيل المؤسسي:
– عدد النقابات والمكونات المهنية المنضوية تحته.
٣. النفوذ السياسي:
– التأثير في رفض أو قبول المبادرات الدولية.
٤. الحضور الإعلامي:
– التغطية في الإعلام المحلي والدولي.
التحديات الراهنة
– غياب هيكل تنظيمي مركزي.
– تناقض الرؤى بين مكوناته (لجان، أحزاب، نقابات).
– حملات التشويه الإعلامي الممنهجة.
– ضغوط دولية لإشراك الجيش والإسلاميين.
الإيجابيات
– نجاح في تعبئة الشارع واستعادة روح المقاومة.
– فضح مشاريع التسوية الملتبسة وغير الشفافة.
– الاستمرار في الدفاع عن شعارات الثورة رغم الإقصاء.
السلبيات
– ضعف التنسيق السياسي وغياب القيادة الموحدة.
– الاستنزاف المعنوي بفعل القمع وتعدد المنابر.
– عدم الوصول حتى الآن إلى رؤية موحدة شاملة لحكم انتقالي.
التوصيات المستقبلية
١. إعادة بناء الهيكل التنسيقي الوطني.
٢. إطلاق ميثاق سياسي موحد يضمن الحد الأدنى من الاتفاق.
٣. تقوية الإعلام الثوري وربطه بمنصات دولية داعمة.
٤. تعزيز التنسيق مع القوى الإقليمية المؤيدة للديمقراطية.
٥. خلق قيادة انتقالية منتخبة من داخل الحركة الديمقراطية نفسها.
خاتمة
الحركة الديمقراطية ليست تحالفًا هشًا، بل هي تجلٍ حيّ لطموحات ملايين السودانيين في التحرر من السلطوية وبناء مستقبل ديمقراطي. استمرارها يتطلب التنظيم، وضوح الرؤية، والقدرة على التحول من رفض الواقع إلى بناء البديل.
أمثلة ودلالات حول تعبير DM
مصطلح DM بدأ استخدامه بشكل موسع في الأوساط السياسية والإعلامية السودانية منذ عام ٢٠٢٢، خاصة في ظل تصاعد المقاومة ضد الحكم العسكري. اعتمدته عدة تقارير دولية منها تقارير بعثة الأمم المتحدة UNITAMS والمبادرات الإفريقية. وقد استخدمه ممثلو لجان المقاومة والنقابات المهنية في البيانات الرسمية.
من الأمثلة اللافتة أن التحالف المدني في ولاية الخرطوم، وكذلك في ولايات الجزيرة، النيل الأزرق، وكسلا، بدأوا يتداولونه كتسمية بديلة أكثر شمولًا من “قحت”. كما بدأ يظهر تدريجيًا في نقاشات تخص الإمارات العربية المتحدة بشأن دعم المبادرات المدنية، وكذلك في جلسات مغلقة بين أطراف سودانية في الولايات المتحدة ودول الخليج.
نحو وحدة الحركة الديمقراطية السودانية: تأسيس كمظلة جامعة
تمثل الحركة الديمقراطية (DM) تعبيرًا عريضًا عن الوعي المدني السوداني، وقد تطورت إلى شرايين متعددة تشمل “قحت”، “تقدم-الصمود”، “تأسيس”، وتنسيقيات المقاومة. هذه التعددية ليست ضعفًا، بل قوة دافعة إذا ما وُضعت ضمن إطار وطني جامع.
وفي هذا السياق، يبرز “تحالف تأسيس” (TASIS) كإطار مرن ومؤسسي يحمل مشروعًا دستوريًا واضحًا، يراهن على وحدة الشعب لا تقسيمه، وعلى صياغة ميثاق وطني جديد لا يستثني أحدًا. إن تأسيس لا يدّعي الوصاية ولا يسعى لإلغاء أحد، بل يقدم نفسه كمظلة تتسع لكل المؤمنين ببناء دولة ديمقراطية جديدة.
إن المشروع التأسيسي لا يقوم على أيديولوجيا حزبية، ولا على مركزية جغرافية، ولا على هوية عرقية، بل على:
– المواطنة المتساوية.
– دستور وطني يعكس الإرادة الشعبية.
– نظام حكم لا مركزي عادل.
– وحدة مدنية تقطع الطريق أمام عودة الشموليات والانقلابات.
وبهذا، فإن “تأسيس” لا يُلغي قحت، ولا يتنافى مع “تقدم-الصمود”، بل يعترف بإسهامهما في الثورة، ويدعو لتجاوز الرموز والانقسامات نحو وحدة استراتيجية قاعدتها الشعب ومطالب الثورة.
تأسيس اليوم يمثل فرصة تاريخية لتحويل الحركة الديمقراطية (DM) من تيار احتجاجي إلى مشروع بناء لسودان جديد، خالٍ من العنصرية، الجهوية، الأيديلوجية، والاحتكار السياسي، يلتف حوله السودانيون جميعًا في الداخل والخارج، لإعادة تأسيس الدولة على قيم العدالة والكرامة والسلام.
لماذا ليست مجرد حركة؟
رغم استخدام مصطلح “الحركة الديمقراطية”، إلا أن ما نشأ في السودان بعد الثورة يتجاوز فكرة الحركة الاحتجاجية أو السياسية بالمعنى التقليدي. نحن أمام بنية مدنية ناشئة، تتضمن مؤسسات مهنية، قوى شبابية، شبكات مجتمعية، وتحالفات داخل وخارج السودان، جميعها تعمل على إنتاج بديل فعلي للنظام الشمولي.
الحديث عن DM يجب أن يتحول من توصيف عابر لحراك شعبي إلى اعتراف بها كـ”بنية أساسية” لميلاد السودان الجديد. البنية التي ستنتج الدستور، وترسم ملامح الحكم، وتعيد تأسيس علاقة الدولة بالمجتمع. ولذلك، فـ”تحالف تأسيس” ليس امتدادًا لحركة، بل هو تمثيل صريح لهذه البنية المدنية الجديدة.
قائمة المراجع
١. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – “تجربة الانتقال الديمقراطي في السودان (٢٠١٩–٢٠٢١)”.
٢. Nonviolence International – Stephen Zunes: “How Sudan’s Pro-Democracy Movement Succeeded”.
٣. حيدر إبراهيم علي – “الديمقراطية السودانية: المفهوم التاريخي والتحديات المعاصرة”، صحيفة التغيير.
٤. Sudan Tribune – أرشيف الحراك المدني ٢٠٢٢–٢٠٢٤.
٥. Altahrir.info – ملفات وثائقية حول لجان المقاومة والميثاق الثوري.
٦. تقارير الآلية الثلاثية والرباعية (٢٠٢٢–٢٠٢٣) حول دور القوى المدنية.
٧. بيانات تنسيقيات لجان المقاومة (٢٠٢٣–٢٠٢٥) .