الجيش السوداني القذر .. إمبراطورية الدم والذهب والسلطة “
الجيش السوداني القذر .. إمبراطورية الدم والذهب والسلطة “
ليس في السودان جيشٌ يحمي الوطن، بل عصابةٌ مدججة بالسلاح تحكم بالحديد والنار، جيشٌ يتقمص دور الحارس وهو في الحقيقة قاتلٌ مأجورٌ للسلطة والثروة. ما بين انقلابٍ وانقلاب، لا يمضي عقدٌ إلا وسُحِقَت إرادة الشعب تحت جنازير الدبابات، بينما يتكاثر الجنرالات كالطفيليات على جسد الدولة، يقتاتون من دمائها، ويبيعونها في سوق المصالح الدولية والإقليمية.
في بلاد النيلين، لم يكن الجيش يومًا درعًا للأمة، بل كان مخلبًا لنهشها، سيفًا مسلولًا ضد الديمقراطية، ومطرقةً تهوي على رأس كل حلمٍ بالحرية. كيف تحوّل هذا الجيش إلى كيانٍ سياسيٍّ مسلح، ينافس السياسيين، يحتكر الاقتصاد، ويتحكم بمصير البلاد؟
أمراء الحروب: العسكر بين الجشع والخيانة”
منذ أن تسلّل الجيش السوداني إلى سدة الحكم، لم يكن انحيازه يومًا للوطن، بل للمصالح الضيقة للجنرالات. في الصباح يرفعون شعارات الوطنية، وفي الليل يبرمون صفقات مع تجار السلاح والمليشيات، يقايضون أرواح الأبرياء بالمناصب، ويبيعون سيادة السودان في مزادات السياسة العالمية.
أمراء الحروب هؤلاء لم يكتفوا باغتصاب السلطة، بل حولوا البلاد إلى ساحةٍ لصراعاتهم الدموية. فما إن تسقط دكتاتورية حتى تنهض أخرى بأسماء جديدة، بينما تظل البزة العسكرية هي ذاتها، تطل من خلف الكواليس، تتآمر، تخدع، تنقلب، ثم تُعيد تدوير القهر في قوالب مختلفة.
جمهورية الضباط والجنرالات: دولة داخل الدولة”
هل السودان دولةٌ مستقلة أم محض مزرعةٍ خاصة للجنرالات؟ الجواب واضح، فالسودانيون ليسوا سوى عبيدٍ في إقطاعيةٍ عسكرية ضخمة، حيث يمسك الجيش بمفاصل الاقتصاد، ويضع يده على الذهب والزراعة والصناعة، يتحكم في الموانئ والمعابر، ويحدد من يربح ومن يخسر في اللعبة السياسية.
المال الذي يدرّه الذهب لا يعود إلى الخزينة العامة، بل يذهب إلى حسابات الضباط وشركاتهم، بينما يبقى المواطن في العتمة، ينتظر قوت يومه في طوابير الذل. كيف يمكن لبلدٍ أن ينهض وجنرالاته يتعاملون معه كمشروعٍ تجاري؟ كيف تتحقق العدالة عندما يكون الجيش هو القاضي والجلاد والتاجر والمستثمر في آنٍ معًا؟
الديمقراطية المسفوحة على عتبات المعسكرات”
منذ الاستقلال، لم يمنح الجيش السوداني فرصةً واحدةً للديمقراطية كي تتنفس. كل محاولةٍ لبناء دولة مدنيةٍ تُجهض بانقلابٍ غادر، وكل بصيص أملٍ يُطفأ بالرصاص. فالثورات السودانية كانت دومًا ضحيةً للجنرالات، من عبود إلى البشير، ومن البرهان إلى كل جنرالٍ يتربص بالدولة في الظل.
يخشى العسكر الحرية كما يخشى اللص النور، لأن الديمقراطية تعني محاسبتهم، تعني اقتلاعهم من جذورهم، تعني إعادة الجيش إلى ثكناته ليكون خادمًا للوطن لا سيدًا عليه. ولهذا، كلما اقتربت البلاد من التحول المدني، أطلّت الدبابات، وتوالت البيانات الانقلابية، لتعيد عجلة السودان إلى الوراء، إلى مستنقع القمع والاستبداد.
مليشيات الظل: عندما يحكم الجيش بأيدٍ خفية”
لم يكتفِ الجيش بالقوة الرسمية، بل صنع لنفسه أذرعًا أخرى أكثر وحشيةً وإجرامًا. مليشيا درع البطانه العصابات القبلية، المرتزقة المتنكرون في زيٍّ رسمي، كل هؤلاء هم امتدادٌ طبيعيٌّ لسياسة العسكر.
حين يريد الجيش التنكيل بمعارضيه دون أن يلوث يده علنًا، يرسل المليشيات لتحرق القرى، تذبح الأطفال، تغتصب النساء، ثم ينفي علاقته بكل ذلك. إنها لعبةٌ قذرةٌ يمارسها الجنرالات بدهاء، لعبةٌ تجعل السودان رهينةً بين فكيّ الجيش ومليشياته، بلا مهربٍ من الموت إلا الموت نفسه.
النهاية: لا حرية في حضرة الدبابات ولا دولة تحت حكم العسكر
السودان لن يعرف الاستقرار طالما أن الجيش لا يزال متصدرًا المشهد، متحكمًا في السياسة، ممسكًا بمفاتيح الاقتصاد، ومستعدًا دائمًا للانقلاب متى ما شعر بأن سلطته في خطر.
لا خلاص إلا بقطع يد العسكر عن السياسة والمال، بإعادتهم إلى معسكراتهم، وتجريدهم من امتيازاتهم. هذه ليست معركة سودان اليوم فقط، بل هي معركة الأجيال القادمة، معركة أن يكون السودان وطنًا للجميع، لا مزرعةً لضباطٍ خانوا الوطن، ونهبوا خيراته، وسفكوا دماء أبنائه.