مجاهد بشري يكتب: أماني الطويل تفقد التوازن السياسي
يبدو أن أماني الطويل، التي لطالما كانت من أبرز أبواق المخابرات المصرية، قد فقدت الحد الأدنى من التوازن السياسي، لتطلق اتهامات جزافية ضد كينيا، متناسية أن بلادها هي المتورطة فعليًا في زعزعة أمن السودان واستقراره.
قبل أن تحاول الطويل إلقاء اللوم على كينيا، كان من الأجدر بها أن تنظر إلى الدور التخريبي الذي لعبته مصر في السودان منذ سنوات. فمنذ سقوط نظام البشير، لم تدّخر المخابرات المصرية جهدًا في إجهاض أي تحول ديمقراطي، إذ دعمت بوضوح انقلاب 2021، الذي قاده عبد الفتاح البرهان، مما أطاح بالحكومة المدنية التي جاءت بعد ثورة ديسمبر المجيدة. هذا الانقلاب لم يكن مجرد صدفة، بل كان خطوة مصرية مدروسة لضمان استمرار سيطرة الجيش السوداني الموالي لها، ومنع السودان من التوجه نحو استقلالية قراره السياسي بعيدًا عن الهيمنة المصرية.
ولم تكتفِ مصر بتدبير الانقلاب، بل كانت ولا تزال شريكًا رئيسيًا في الحرب الدائرة حاليًا، حيث توفر الدعم العسكري والاستخباراتي للجيش السوداني، متورطةً في عمليات قصف طائراتها الحربية للمناطق المدنية، وهو أمر موثق بالأدلة القاطعة. فهل تجرؤ الطويل على الحديث عن هذا الدور التخريبي؟ أم أن انتقاداتها موجهة فقط ضد من يسعون إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السودانية؟
من الواضح أن الطويل تعاني من خلط خطير في المفاهيم. فهي تتهم كينيا بالتدخل في السودان، بينما تتجاهل حقيقة أن نيروبي كانت دائمًا حاضنة للسلام السوداني، ومن رحم اجتماعاتها وُلدت العديد من الاتفاقيات التي أوقفت نزاعات سابقة. وحتى الآن، أعلنت الخارجية الكينية أنها توفر فقط منصات للحوار المدني بين الأطراف السودانية، وهو ما يمثل دورًا إيجابيًا يخدم استقرار السودان، وليس تهديدًا كما تدّعي الطويل.
على العكس، فإن الموقف الكيني يتماشى تمامًا مع المواثيق الدولية والإقليمية، وهو ما أكدته نيروبي عبر التزامها بتسهيل عملية السلام، وليس فرض حلول قسرية أو دعم طرف ضد آخر. فأين هو “السلوك الكيني المنافي لميثاق الاتحاد الأفريقي” الذي تتحدث عنه الطويل؟ بل إن الحقيقة أن الاتحاد الأفريقي كان واضحًا في قراراته عندما جمد عضوية السودان بعد انقلاب 2021، وهو انقلاب تم بدعم مصري كامل. فإذا كان هناك من يتعارض مع ميثاق الاتحاد الأفريقي، فهو عبد الفتاح البرهان ومن يدعمونه، وليس كينيا.
التصريحات التي أطلقتها أماني الطويل ليست مجرد رأي شخصي، بل تعكس حالة الهلع التي أصابت دوائر السلطة في القاهرة، بعد أن أدركت أن السودان يسير نحو مرحلة جديدة، لن يكون فيها تابعًا خانعًا لمصر كما كان في الماضي.
مصر لطالما تعاملت مع السودان كحديقة خلفية لها، تسيطر على قراره السياسي، وتنهب موارده الاقتصادية، وتستخدم جيشه كأداة لتنفيذ أجنداتها الإقليمية. ولكن هذا الواقع بدأ يتغير، والسودانيون اليوم باتوا أكثر وعيًا بمصالحهم الوطنية، ولن يسمحوا لمصر بأن تواصل عبثها بأمن السودان واستقراره.
والأهم من ذلك، أن المستقبل السياسي للسودان لن يكون في يد عملاء القاهرة الذين باعوا سيادة بلادهم مقابل رضا السيسي. القادمون لن يكونوا ممن يعبدون مصر، وهذا ما يُقلق أماني الطويل ومن يقفون وراءها.
إذا كان هناك طرف سيواجه تبعات تدخله في السودان، فهو مصر وليس كينيا. فالدور المصري التخريبي في السودان أصبح مكشوفًا، وستأتي اللحظة التي يدفع فيها النظام المصري ثمن تدميره للاقتصاد السوداني، وتأجيجه للصراعات، واستغلاله للجيش السوداني كأداة لتنفيذ أجنداته الإقليمية.
على القاهرة أن تستعد لمفاجآت قادمة قد تجعلها تفقد توازنها بالكامل، تمامًا كما تفقد أماني الطويل اليوم أعصابها في تعليقات تعكس حجم الرعب الذي تعيشه السلطة المصرية، خوفًا من سودان جديد، مستقل، وقادر على حماية مصالحه بعيدًا عن الوصاية المصرية.