عمار الباقر يكتب: هل يسير البرهان في نفس الطريق الذي سار فيه بشار الاسد
قبل نحو عشر سنوات من الان وتحديداً في شهر سبتمبر 2015م بدأت القوات المسلحة الروسية في نشر قواتها بعد أن وافق الرئيس السوري بشار الأسد علي منحهم قاعدة عسكرية في منطقة حميميم بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية. في ذلك الوقت كان النظام السوري تحاصره الازمات الداخلية والخارجية بعد قمعه الوحشي للثورة السورية التي بدأت سلمية في 2005م، وقد ادت الفظائع التي ارتكبها النظام تجاه الشعب السوري الي اشتعال الحرب الأهلية في وارتفاع الصوت الطائفي والاصولي بدلاً عن الصوت المدني المستنير داخل سوريا، وبذلك تحقيق في سوريا المثل القائل: أن لم تستمع الي العاقل اليوم فسوف تجد نفسك غداً مضطراً الي الاستماع للمجنون.
احتمي الرئيس بشار الاسد بروسيا لتحميه من شعبه، وباع لهم قطعة من الأرض السورية لمدة 99 سنة وباع مع تلك الارض قدراً كبيراً من سيادة الدولة السورية التي اصبحت تابعة للمحور الايراني الروسي في المنطقة، وعلي الرغم من ذلك لم تفلح هذه الخطوة في حمايته إلا لفترة فصيرة اضطر بعدها الي الهروب وتسليم البلاد الي مجموعة من الميليشيات المتطرفة. كان في مقدور الاسد ان يحفظ لبلاده أمنها واستقرارها واستقلال قرارها الوطني إن قبل تسليم السلطة قبل عشرين عاماً الي قوي الثورة السورية الحية التي ثارت ضده.
وكان حينها سيحقن دماء مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري بل وحفظ كرامته أيضاً بدلا من إهراقها بتلك الطريقة التي شهدناها وهو يولي هارباً نحو روسيا. وفي السودان يسير البرهان في ذات الطريق الذي سار فيه بشار الاسد، فقد كان في مقدور الرجل تسليم السلطة الي قوي الثورة الحية والاكتفاء بالدور المهني الاحترافي كقائد للجيش، إلا أنه بدلاً هن ذلك اختار التحالف مع الميليشيات لمصادرة صوت الشعب الحي في انقلابه يوم الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م. وحينما انقلبت عليه الميليشيا وهو الانقلابي العتيد، لم يتعلم الدرس بل توغل في ذات الطريق الخطر وتحالف مع مزيد من الميليشيات. وعلي شاكلة بشار الاسد ها هو اليوم الان يسعي للاحتماء بروسيا وكأنما روسيا قد حمت الأسد وقبله البشير حينما طلب الحماية من روسيا.
إن الطغاة لا يتعلمون، فكما قتل بشار شعبه، وتحالف مع الميليشيات داخل سوريا وخارجها، يفعل البرهان اليوم. وكما باع بشار ارض بلاده وسيادتها الوطنية، يرسل اليوم البرهان وزير خارجيته للتفاوض علي ذات الفعل الشائن، وقد اعمي الغرور بصيرته في إن من سار في هذا الدرب ينتهي به المطاف إما طريداً ومنبوذاً من شعبه كحال بشار الاسد أو قتيلاً علي ايدي الميليشيات كحال علي عبدالله صالح ملك الرقص مع الثعابين.
علي الضفة الأخرى، سوف تخسر روسيا اموالها وتخسر شعب السودان مثلما خسرت أموالها وشعب سوريا في قاعدة حميميم. فسوف لن يرضي الشعب السوداني بالزي العسكري الروسي داخل أراضيه، فغرسة الاستقلال والتحرر عميقة الجذور في وجدان شعبنا وسوف تجد الحكومة الروسية نفسها نضطرة الي لملمة عزالها بعد سنوات قليلة تماماً مثلما يحدث في سوريا اليوم. أما أولئك الذين -وتأثراً بمخيلة الأمس- ينظرون الي روسياً بوتن باعتبارها الترياق للغرب والحليف الموثوق للشعوب الافريقية في تطلعاتها نحو التحرر والانعتاق، نقول لهم إن البون شاسع بين روسيا بوتن اليوم بين الامس، فروسيا اليوم تلهث خلف حصتها من نهب الشعوب الفقيرة مثلها مثل دول الغرب.
إن النظام الذي اقامه بوتن في روسيا اليوم غير معني حتي بالفقراء من ابناء الشعب الروسي، ناهيك عن الفقراء والمحرومين في دول افريقيا، فبوتن مثله مثل دونالد ترمب مجرد زعيم لمجموعة من الاغنياء الذين سطوا علي أموال شعوبهم ويتنافسون علي السطو علي أموال الشعوب الأخرى. لقد أثبتت الاحداث أن ثمن بقاء البرهان ومجموعة كبار الضباط المتحلقين حوله في سدة الحكم هو ثمن باهظ جدا. فبالإضافة الي الموارد التي اهدرت والدماء التي اريقت، سوف يغادر هؤلاء الضباط السلطة بعد أن يرهنوا مستقبل البلاد ويمرغوها في أوحال التبعية والمحاور الدولية والاقليمية. قد كان في مقدور البرهان ومجموعته حماية شعبهم فاعتدوا عليه، وكان في مقدورهم حقن دمائه فاختاروا إراقتها، وكان في مقدورهم الحفاظ علي موارد البلاد وتنميتها فاختاروا نهبها، واليوم في مقدورهم حماية القرار الوطني والحفاظ علي وحدة البلاد واستقلال قرارها الوطني ولكنهم اختاروا التفريض والمساومة علي ذلك، فإي نوع من الناس هؤلاء؟