أتيم قرنق يكتب: المذابح البشرية والابادة الجماعية من أُصول العقيدة القتالية للجيش السُّوداني
بقلم: أتـيـم قـرنـق ديكويك
المذابح البشرية و أحداث الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش السوداني في ود مدني والتي زهقت خلالها مئات الأرواح من مواطني دولة السودان الجنوبي، هي احداث مؤسفة ومدانة محليًا واقليمياً ودولياً لما تعكسها من حيوانية وحقد دفين فاق التصور والخيال الإنساني وعدم الاكتراث برد فعل الآخر سواءً آنية أو مرحلية، أو حتي أجيال الغد!!
الحقد وإذلال الآخرين والتفنن في تعذيب الخصوم هي اعمال وأفعال متجذرة تاريخيًا في العقيدة القتالية للجيش السوداني. فهي من موروثات ثقافة الحرب لدي الانسان السوداني. وتعود لتأريخ الدويلات الإسلامية السودانية 1504-1820 والتي تمثلها السلطنة الزرقاء ودويلة المسبعات ودولة دارفور؛ تلك الدويلات التي اعتمدت جيوشها علي الغزو والنهب والسلب والاستعباد، وجاءت بعدها جيوش الامبراطورية العثمانية الإسلامية الغازية 1821-1885 والتي كانت من أهدافها اصطياد إنسان دولة السودان الجنوبي للاستعباد والنخاسة وهي نفس ما فعلتها جيوش الدولة المهدية 1885-1898؛ تبعتها فترة الحكم الثنائي البريطاني المصري الاستعماري 1898-1955. وهذا الحكم استندت سلطته علي العنف والقهر وإذلال الخصوم ونهب ممتلكاتهم. ومن هنا ورث الجيش السوداني (جيش دولة ١٩٥٦ ومليشياتها) ثقافة السبايا والجواري والعنف والقهر والإذلال و النهب، وتبلد مشاعر الانسانية تجاه المنافسين و الأعداء.
و تاريخياً، تلك الجيوش الناهبة والقاهرة؛ غازية كانت أو وطنية سودانية إسلامية، كانت وما زالت مكونها وقوامها ونواتها الأساسية هي الإنسان السوداني المسلم. والجيش السوداني الحالي وكل مليشياته إنتماءً، هو الوريث الشرعي والثقافي لمبادئ تلك الجيوش المتوحشة. ونحن أهل السودان الجنوبي شهود علي هذا القول لأننا كنا ضحايا كل هذه القوي العسكرية القاهرة المتعطشة للدماء وإزهاق الأرواح واستعباد البشر منذ تأسيس الدويلات الإسلامية السودانية مروراً بكل الحقب المظلمة حتي فترة الإخوان المسلمين والمشير البرهان.
حكومة الفريق السجان القاتل: ابراهيم عبود (1958-1964) عذبت وسجنت وقتلت مئات الناس واستهدفت المتعلمين ورجال الدين المسيحي بصفة خاصة من أهل السودان الجنوبي،
نظام المشير السفاح الكذاب والغدار: جعفر محمد نميري (1969-1985) تفنن في خلق فتن بين السياسيين وسحق وقتل آلاف الناس من اهل السودان الجنوبي،
حكم المشير الشرير الجزار: عمر حسن احمد البشير (1989-2019) استخدم الدين الإسلامي لحرق القري وهدم المدن وتشريد الملايين وإبادة مئات الآلاف من سكان السودان الجنوبي،
و اليوم، قوات و مليشيات الفريق الحائر: عبدالفتاح البُرهان لا تريد ان تختلف مع من سبقوها في فعل الشر وإظهار الحقد الدفين في اعماقها بقتل وذبح أناس عزل وأبرياء مثل الابرياء الذين تاجر بهم ملك النخاسة الزبير (باشا) وملايين الأبرياء الذين قتلهم الجيش السوداني؛ (الجيش الذي لم يحتفظ بأسير واحد) خلال حرب دامت لمدة 39 سنة، في حين إن الجيش الشعبي لتحرير السودان أطلق سراح آلاف الجنود السودانيين من اسري الحرب؛ ومنظمة الصليب الاحمر الدولي والأمم المتحدة شهود علي ذلك، ومدون في سجلاتها.
بناءً علي ما تقدم لا يمكن تحميل اي مواطن سوداني يتواجد في أراضي السودان الجنوبي او خارجه، و حتي الجنود السودانيين الذين فروا من القتال و لجاءوا للسودان الجنوبي لا يمكن محاسبتهم علي ما فعله الجيش السوداني في ود مدني و أماكن كثيرة من مناطق النزاع في السودان، لأننا اكثر الناس معرفة بأصول الفكر الحربي و العقيدة القتالية للجيش السُّوداني، و نفهم جزور لا آدمية مشاعرهم و منابع لا أخلاقية قادتهم.
الجيش السوداني معروف بالقسوة والعنف والاذلال والقهر والتعذيب والاغتصاب والاغتيالات وغيرها من صنوف الغدر والحقد الغير مبرر تاريخيا ضد إنسان السودان الجنوبي.
مَن مِن سكان السودان الجنوبي لا يعرف ما فعله الجيش السوداني من مجازر لما بعد انتفاضة توريت المسلحة 1955، في أنذارا 1955، كودك 1964, جوبا 1965 و 1987 و 1992, واو 1965 و 1987, رمبيك 1965, بور 1965 و 1967, اكوبو 1970, الخرطوم 1964 و 2005، بابنوسة 1967، الضعين 1987، الجبلين 1997, و غيرها من المدن.
لقد حان الوقت، لقيام حكومة السودان الجنوبي بالتوثيق الرسمي لوقائع كل هذه المآسي.
كم رجل وكم رجل، في مدن السودان الجنوبي، من اجل محاولة حماية زوجته، أو شقيقته، أو بناته، أو قريباته قتله رجال الجيش السوداني و المجاهدون المتعطشون لنكاح المتعة و(نكاح الرهط) مع نساء الكفار، سبايا الجهاد والحرب؛ وكلها تتم تحت التكبير (الله أكبر، الله أكبر)، علي نمط ما حدث عند ذبح ضحايا ود مدني من مواطنينا الأبرياء.
ما فعله الجيش السوداني لمواطنينا في ود مدني ليس جديداً، لكن الجديد الذي لم يستوعبه الجيش السوداني هو أن هؤلاء الضحايا يتبعون لدولة جديدة حرة، وإن كانت متوعكة فستنهض!
انا اقدر إجراءات حكومة السودان الجنوبي الحاسمة في حماية المواطنين السودانيين و ممتلكاتهم و هذا يعكس فلسفتنا الانسانية تجاه البشر وهو ما كنا نقوم بها إثناء الحرب بعدم قتل المدنيين العزل و أسري الحرب. وإن كانت الحكومة في جوبا لها وسواسها من التظاهرات.
نطالب حكومة السودان بحماية مواطنينا في السودان و تسهيل سبل ترحيلهم بالتعاون مع الامم المتحدة للعودة الي السودان الجنوبي. وأيضاً علي حكومة السودان وبالتعاون مع الاتحاد الافريقي وحكومة دولة السودان الجنوبي، تحديد أعداد الذين قتلوا علي أيادي الجيش والمليشيات خلال فترة الحرب الاهلية في السودان. وعلي حكومة السودان الجنوبي بمطالبة الحكومة السودانية بتعويض أسر ضحايا تلك المجازر، ودفع تعويضات لمَن تضرر مِن مواطنينا جراء الحرب الدائرة في السودان.