دماء الزرق: وصمة عار جديدة في سجل مليشيات الحقد والعنصرية
سعيد عمر هلال
في مشهد يعيد إلى الأذهان فصولاً سوداء من تاريخ دارفور، ارتكبت مليشيات الحركات العنصرية والمرتزقة جريمة بشعة بحق الأبرياء في منطقة الزرق بولاية شمال دارفور. جريمة مكتملة الأركان، اتخذت من الإبادة العرقية والتطهير الإثني منهجاً، ومن المدنيين العزل هدفاً، ومن إحراق البيوت وتدمير مصادر الحياة وسيلةً لإشباع نزعات الحقد والكراهية.
ما حدث في الزرق ليس مجرد هجوم عسكري؛ بل هو إعلان صريح بأن التاريخ يعيد نفسه بوجوه جديدة، وأن المظلوم قد يتحول إلى ظالم حين ينكر دروس الماضي، وينجر إلى مستنقعات الحقد العنصري والانتقام القبلي. قوات مناوي، المدعومة بغطاء جوي من الجيش السوداني، نفذت هجوماً وحشياً على قرى وبوادي الزرق، حيث أحرقت المستشفى الوحيد في المنطقة، دمرت السوق، ونهبت ممتلكات المواطنين. ولم يكتفوا بذلك، بل أزهقوا العشرات من الأرواح البريئة، معظمهم نساء وأطفال، وذبحوا مئات من الإبل والمواشي، في صورة مروعة تعكس انهياراً أخلاقياً وإنسانياً كاملاً.
هذه الجريمة لا يمكن تفسيرها إلا بكونها جزءاً من مخطط عنصري لإشعال الفتنة القبلية وتمزيق ما تبقى من نسيج اجتماعي هش في دارفور. إنها سياسة “فرق تسد” التي تتوارثها الأنظمة منذ الاستقلال، والتي كانت تستخدم المكونات الاجتماعية كوقود لحروب عبثية تخدم بقاء السلطة على حساب الأبرياء.
مناوي الذي كان يوماً ضحية لهذه السياسات العنصرية، والذي كسب تعاطف العالم بصفته رمزاً للظلم، ها هو اليوم يثبت أنه لم يتعلم من دروس الماضي، وأنه يسير بخطى ثابتة نحو إعادة إنتاج نفس الجرائم التي أوصلت المخلوع البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن إلى أين ستقود هذه الجرائم؟ هل يتوقع مناوي أن إحراق الزرق وتدمير حياة أهلها سيجلب له النصر؟ أم أنه يدرك أن هذه الجرائم ستفتح أبواب الثأر والدمار لسنوات قادمة؟ الحرب في دارفور أثبتت مراراً أنه لا منتصر في معركة تُبنى على جثث الأبرياء. ما يحدث الآن ليس إلا بداية لجذوة ثأر جديد، سيبقى مشتعلاً حتى لو تم توقيع ألف اتفاق سلام.
المجتمع الدولي الذي منح قيادات هذه الحركات العنصرية حق اللجوء السياسي، والذي سمح لهم بنشر رواياتهم للعالم، اليوم مُطالب بمراجعة مواقفه. فالجريمة التي وقعت في الزرق تُضاف إلى سجل الانتهاكات التي يجب أن تُحاسب عليها هذه الحركات وقادتها. أما الحكومة في بورتسودان، فهي شريك صامت في هذه الكارثة، إذ وفرت الغطاء الجوي والشرعية السياسية لهذه الهجمات البشعة.
وخلق الأكاذيب بأن الزرق قاعدة عسكرية لكن الصور لا تكذب عندما شاهد العالم الأبرياء يقتلون وسوق بسيط يحترق وبهائم تقتل ارضاءا لطموح كبرائهم وساداتهم
ختاماً، نقول لهؤلاء المجرمين: دماء أهل الزرق لن تذهب هدراً، وستظل لعنة تطاردكم أينما ذهبتم. الشعب السوداني، الذي تحمل سنوات من الظلم والقهر، لن يغفر لكم هذه الجرائم، وسيبقى صوته أقوى من رصاصكم وناركم. وختاماً، ستكتب الزرق في سجل التاريخ بوصفها شاهداً على همجية المليشيات وصمود الأبرياء.