طارق الأمين: حميدتي رجل كل المراحل
قد يري الذين في عيونهم رمد تفسير آخر لخطاب السيد محمد حمدان دقلو ..كيف لا وهو الذي قد أعجز فطاحلة السياسة في السودان .. إنه ومنذ أن بزغ نجمه كان يجيد اللعب السياسي المتقن ، ويعرف جيداً من أين تؤكل الكتف ..ساعده في ذلك ذكاؤه البدوي المستمد من لبن الإبل وهدؤه وصفاؤه ونقاؤه.
. حميدتي لم يدرس العلوم السياسية ولا العسكرية ، ولكنه درس نفسيه وحاجة الشارع السياسي..
عندما وقف وانحاز للشارع في الزمن المناسب وخرج من عباءة المعزول غير خائف مما يجره عليه ذلك من مخاطر قد تؤدي به للتصفية..كان يعلم جيداً أن من تمسك بنظام الانقاذ حينها لن ينجو ..
فقد قدر بملكته وحنكته الموقف وأدرك أن الشارع لن ينحسر مده وأن الشعب قد ثار ولن يرجع ولن ينهار..
وكان الانحياز في زمن الإنجاز الثوري هو الذي قلده وسام الشجاعة فرفعت صورته من فوق الكبري ممهورة بعبارة (حميدتي الضكران الخوف الكيزان)..
وعندما كانت قوي الضلال والأحزاب الأربعة قد انتهجت نهج الانقاذ واستاسدت وظفرت باقتسام كيكة الثوره واقصت الآخرين برز لهم (الضكران) وقال قولته المشهوره في وجه محمد الفكي عندما ذكر أن( العسكر قد خصموا من رصيدهم السياسي).. تصدي لهم وازاحهم من السلطه وفي غرارة نفسه تصحيح المسارالثوري وعودة الحق لأصحابه الشرعيين وهم ثوار ديسمبر الا إنهم لم يفقهوا الدرس ..
حميدتي وأثناء فتره إعلان تصحيح المسار كان علي مسافة واحدة من الشارع والقائد العام للقوات المسلحه وكل الأجهزه النظامية الأخري..لم تتورط قواته في قتل الثوار ولم تشاهد آلياته في وجه المتظاهرين.. بل كان وفي كل خطاباته داعياً لعدم استخدام العنف موضحاً ان الذين في الشارع هم أبناء الشعب وبناته ..
خلال تلك الفترة كان بعيدا عن التحالفات وكان له آراء يكتنفها التحفظ ومثال لذلك موقفه من مجموعه نداء أهل السودان التي تبناها الشيخ الطيب الجد بالرغم من صوفيته وحبه للمتصوفه الاّ أن الأمر هنا اختلف وخالطته السياسة بتوافد الغالبية العظمي من أنصار النظام السابق وبعض منتسبيه إلي ميدان الشيخ الجد فما كان منه إلاّ أن وقف بعيدا وقال قولته المشهورة عندما سأل عن تلك المبادرة في مطارالخرطوم وهو ” انه طلب توضيح عن لجانها ومن يقف وراءها” ..
دقلو يعرف متي يخرج من الخرطوم ومتي يعود إليها ومتي يصمت ومتي يتحدث ..
واخيراً رأينا دعمه لوثيقة المحامين وتأييده لها حتي توجت بالتوقيع المشهود.. وقد كان خطابة مدرسه يتعلم منها الساسة أدب الاعتزار وما أجمل الاعتزار عندما يكون من من بيده السلطه فإنه حتما يقع في النفوس ويشفي غليلها مهما كثر ..
فقد اعتذر واعترف بفشل القرارات التصحيحية التي ساندها سابقاً .. وقد اضافت هذه العبارات احتراماً وتقديراً كبيراً له وهو الكبير دائماً بمواقفه واقواله ..
قد كان للقائد دقلو رسائل عدة في مواضع أخرى يدعو فيها إلى الوطنية وحب الوطن ونبذ التشاكس والصراع والخلاف الصفري الذي لايؤدي لنتائج طيبة ..
خطاب حميدتي كان بلسماً ولكنه كان للبعض علقماً لأنه لم يوافق هواهم ولم يكن في مضمار مايشتهون .
إنّ خطابات حميدتي يفسرها كلٌ علي هواه ، وتظل هي الرسالة الأجمل والأقوي والأصدق في بريد الوطن… وحقا إنه رجل كل المراحل وللحديث بقيه..