د.أسامة محمد جمعة داؤد يكتب.. مسرحية كيان الوطن
د. أسامة محمد جمعة داؤد يكتب .. مسرحية كيان الوطن
لن يتوقع أحدٌ أن يكشف تنطيمٌ عسكريٌ عن نفسه بعد سويعات قلائل عقب تحذير الجنرال البرهان للاسلاميين واليساريين من الاقتراب من القوات المسلحة ، فقد أثار اهتمام الجميع ذلك التصعيد الدّرامي الذي أحدثه اللواء الصوارمي خالد سعد بإعلانه عن هذا التنظيم (في هذا التوقيت).. في تجاهل واضح للعواقب، وتحد صارخ لتحذيرات البرهان ، الذي كان على علم بهذه التحركات أو تنامت إليه أخبارها قبل أن يطلق تحذيراته في حطاب والمرخيات، وقد جاء إعلان الكيان ليؤكد صدق البرهان وصحه معلوماته التي تناقلتها وسائل الإعلام لاسيما أن معظم القيادات العسكرية لهذا الكيان قد عملت في خدمة النظام السابق.
وقد وضّح مؤسسو الكيان مبررات تكوين تنظيمهم العسكري التي تتمثل في تحقيق توازن في القوى المسلحة بين أقاليم السودان المختلفة ، وتحقيق المساواة بينها في السلطة والثروة ، وتعميم العدالة الاجتماعية ، ورفع التهميش عن أقاليم الشمال والوسط والشرق وكردفان، وتأسيس هيئة اقتصادية لتقوم بأدوار تنموية في هذه الأقاليم.
وطالب المؤسسون بإلغاء اتفاقية جوبا للسلام ، ودمج الجيوش المنتشرة في انحاء السودان في جيش واحد ، كما طالبوا بالحكم الفيدرالي ، وأحقية تقرير المصير لكل إقليم إذا لم يجد ما يحتاجه من حكومة المركز، بالإضافة إلى بعض المطالب الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار المؤسسون إلى طبيعة عمل الكيان بأنه قوة وطنية تعمل على رفعة الوطن وتقدمه وضرب وتفكيك قوى الشر ، وأنه تنظيم يعمل على دعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، وينأى عن الصدام معها، وأنهم لم يمنحوا رتباً لقواتهم ، وأنهم على استعداد لتسريح قواتهم إذا تحققت مطالبهم.
ومن خلال الأحداث والحبكة والشخوص يتضح أن كيان الوطن مسرحية كبرى قد عرضت على المسرح السياسي قبل أوانها ، وأن هناك لاعبون سياسيون يحركون أحداثها من خلف الكواليس وعلى منأى تماما عن أعين النظار .
* فإن كان المؤسسون يمتلكون تنظيماً حقيقياً لما أعلنوا عنه بعدما اكتشفه القائد الأعلى للقوات المسلحة وأطلق تحذيراته للأحزاب بناء على ما تنامت إليه من معلومات سريه.
* لقد كان اللواء الصوارمي ومن معه من المعاشيين يعلمون أن أي حركة عسكرية جهوية تُعلن من داخل العواصم لن تنجح ، كما يعلمون أن ما يُقدمون إليه يعتبر عملاً غير مشروع وتمرداً على المؤسسة العسكرية يعاقب عليه القانون ، فمن الذي قدّم لهم الضمانات بالإفلات من المحاسبة والعقاب؟
* تنظيم الكيان حينما يستعدى اتفاقية جوبا للسلام ويطالب بإلغائها في هذا التوقيت فإنه يلتقى مع بعض أحزاب التسوية السياسية التي تدعو إلى مراجعة اتفاقية جوبا فهل يقدم خدماته مجاناً لتلك الأحزاب أم هناك تنسيق بينهما ؟
* إن اعتقال قائد التنظيم وإطلاق سراحه بهذه السرعة يؤكد أن هذا التظيم وهمي وليس له قوات في الأقاليم كما يدّعي مؤسسوه وليست له أي علاقات مع تنظيمات المعاشيين من القوات المسلحة بل ولايمثل أي خطورة تستدعي التحفظ على قياداته.
* اللواء الصوارمي نفسه الذي قُدم ليكون أحد أبطال هذه المسرحية لا أعتقد أنه يؤمن بإنشاء تنظيم عسكري جهوى ، وهو شخصية كما نعلم من تكوينه الديني وثقافته التي اكتسبها من القران الكريم وجامعته تمنعه من ان ينتحي هذا المنحي ، وهذا يؤكد أن أبطال المسرحية مازالوا خلف الكواليس وأن اللواء الصوارمي تم الدفع به إلى السّطح لتلميعه لمشروع سياسي قادم.