نجاة أحمد تكتب
معاً ضد انتشار خطاب الكراهية
لايزال المجتمع السوداني في غالبه مجتمعا زراعياً رعوياً تتحكم فيه المكونات القبلية، وتهيمن فيه قيم الثقافة التقليدية التي تسود في مثل هذا النوع من المجتمعات والتي تميز بين المواطنين على أساس إثني ، وتقسم الناس إلى أحرار وعبيد وعرب وزرقة…إلخ، ولن تحكم على الفرد من خلال صفاته ومؤهلاته الشخصية بل من خلال انتمائه الإثني أو القبلي أو الجهوي. ويتمايز الناس فيها وفقا لانتماءاتهم العشائرية وليس بانتماءاتهم الطبقية أو المدنية.
هذه الثقافة التقليدية التي تحتل مفاهيم التمييز والتفرقة العنصرية فيها موقعاً مركزياً يُرجح أن تظل سائدة بدرجات متباينة إلى أن يرتقي المجتمع ويسمو إلى الحداثة الثقافية والتحديث الاقتصادي والاجتماعي.
والمدخل الطبيعي لذلك هو، تفكيك قيم الثقافة التقليدية السائدة وقيام الدولة بواجبها في إصلاح التعليم والثقافة والإعلام وإعادة كتابة التاريخ الوطني والاعتراف بمساهمات كل المجموعات السودانية، وسن القوانين التي تجرم كافة أشكال العنصرية والتمييز الإثني والمعاقبة عليها بعقوبات رادعة، ويأتي ذلك بعد الوصول إلى عقد اجتماعي دستوري اقتصادي وثقافي جديد يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية بلا تمييز.
ويمكن للمجتمع المدني والأهلي والناشطين والجامعات والإعلام والأحزاب أن يلعبوا دوراً هاماً يعضد الجهود الحكومية في مكافحة العنصرية والتمييز وخطابات الكراهية الأثنية والدينية المنتشرة أيضاً، وتنمية ثقافة المساواة وعدم التمييز واحترام كرامة البشر وحقوقهم انطلاقاً من مبدأ أن جميع البشر يولدون أحراراً وهم متساوون في الحرية والكرامة.
وقد تلعب الأحزاب دوراً هاماً في وقف السيلان العنصرى وخطاب الكراهية إذا تضمنت برامجها مبادئ المواطنة المتساوية وعدم التمييز واحترام حقوق الإنسان، وإدانة خطابات العنصرية والكراهية العرقية أو الدينية.
وينبغي لنا الانتباه لنقطة هامة وهي أن ظاهرة العنصرية في السودان تختلف عن مثيلاتها في الدول الأخرى فقد شهدت دول كثيرة ظاهرة التمييز والعنصرية مثل :تجربة الفصل العنصري بين البيض والسود في جنوب أفريقيا “الأبارتايد”، أو التمييز والاضطهاد الذي كان يمارس ضد الأفارقة في الولايات المتحدة واخرها قضية جورج فلويد والتي اقامت الدنيا ولم تقعدها، أما في السودان فإن التمييز العنصري يمارسه بعض السودانيين ضد بعض بني جلدتهم.
فنحن في السودان لا زلنا نستخدم الخطاب العنصري في شتى مناحي الحياة ، حتي في التقديم للوظيفة إلى وقت قريب كان السؤال الأهم هو (الي أي قبيلة تنتمي) وكانت الأوراق الثبوتية تتضمن خانة للقبيلة ، وهو إجراء تجاوزه الزمن ، ففي مصر القريبة ألغيت هذه الخانة في كل الأوراق الرسمية وهو ما أسهم كثيرا في تعضيد الانتماء للوطن الكبير دون اللجوء الي القبيلة أو الاثنية.
وتعتبر العنصرية في السودان من مخلفات الماضي وقد أسهم المستعمر في تزكيتها بسياسات الرعناء التي استهدفت مجموعات معينة بالتهميش والاقصاء والحرمان من التمتع بالحقوق الانسانية الامر الذي ولد أحقاداً متوارثة يصعب القضاء عليها بضربة لازب حيث أن الأمر يحتاج إلي مجهودات رسمية وشعبية جبارة.
وللخطاب العنصري أثار سالبة في حياة المجتمع:
فهو يزيد من الأحقاد الدفينة ، ويحرم الأشخاص من المشاركة الكاملة في المجتمع. ويؤدي إلى الفقر والانقسامات والتوترات في المجتمع. ويخلق حواجزا وهمية بين الاجناس.وتشكيل رأياً عاماُ لا يعترف بالمواطنة والانتماء وقد يؤدي الي اراقة الدماء اذا تطورت الخلافات.
وأخيراً نأمل ان تشكل ظروف التحول والانتقال نحو الديمقراطية التي خلقتها ثورة ديسمبر 2018 الشعبية فرصة لتبني مشروع وطني يتوافق عليه جميع السودانيين يعززالمواطنة المتساوية ويقضي على كافة أشكال التمييز.