إسماعيل عبد الله يكتب: لماذا تأخر تشكيل حكومة “تأسيس”؟
لماذا تأخر تشكيل حكومة “تأسيس”؟
إسماعيل عبد الله
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. إنّ تأخر تشكيل حكومة “تأسيس” جعل عصابة بورتسودان تهرول نحو تكوين حكومتها (المدنية) برئاسة التيس المستعار (المحلل)، على الرغم من عدم مشروعية مافيا بورتسودان، إلّا أنها تسابق الزمن فتصنع الحدث، لتترك صدى الحدث يكون من نصيب القوى السياسية المناصرة لقوات الدعم السريع، وكما ظللنا نكرر دائماً وأبداً ونقول بأن الحراك السياسي الداعم لقوات الدعم السريع بطئ الحركة وسلحفائي الزحف، وحتى الانسحاب العسكري للأشاوس من مركز السودان، سببه التأخر وعدم الاكتراث لعامل الزمن، ومكر العدو وطول نفسه وعقيدته الانتقامية (الكيماوية)، التي لم يتنازل عنها منذ أن أشعل الحرب، مع سبق الإصرار، والإعلان الصريح عبر حشود أنصاره، في ولائم افطار شهر رمضان المندلعة فيه الحرب، لا عذر لتأسيس في القعود نصف سنة دون أن تشكل حكومتها، وليس مبرراً أن تترك فراغاً دستورياً وسياسياً في مناطق النفوذ، وهذا التقصير سينعكس على الميدان العسكري لو لم يتدارك التأسيسيون الأمر، ولو صدقت بعض التسريبات التي تقول بأن التحالف التأسيسي قد تلقى رجاء، من الفاعلين الإقليميين والدوليين بالتأجيل، تماشياً مع سيناريو الحكومة الواحدة التي سوف تعقب وقف الحرب والاتفاق السياسي، تكون القوى السياسية الموالية لقوات الدعم السريع قد أخفقت أيما إخفاق، في اقناع الفاعلين بحتمية تشكيل حكومة مدنية بمناطق السيطرة.
أداء قوات الدعم السريع على المستوى العسكري ممتاز وفوق التصور، لكن ومنذ اندلاع الحرب تعاني هذه القوات ضعف الإسناد السياسي، وبرز هذا الخلل بعد انسحاب “تقدم” من التزامات الوثيقة الموقعة بينهما، وفي الصراعات التي صاحبت إقالة المستشار السياسي للقائد، وما تلا ذلك من رشح وشى بحقيقة انتقال جرثومة جدل اليسار واليمين، إلى أروقة الفعل السياسي لهذه القوات، التي شهد على كفاءتها المجتمع الدولي، وهنا لابد أن نعترف بأن ضعف الأداء السياسي للقوى السياسية الرافعة لمشروع القوات الثائرة، والمتمثل في تحالف “قمم”، جاء متواضعاً حيال التمدد الدبلوماسي والسياسي المطلوب، التمدد والحراك الذي يجب أن يصحبه تدشين حملات دبلوماسية تجوب الأقطار الافريقية والعربية والاتحاد الأوربي، لتثبيت أثر المنجزات الثورية التي حققها الدعم السريع، وهذا يتطلب تجديد الدماء في عروق الهيئات الاستشارية والسياسية المحيطة بالقيادة، فالملاحظ أن المنتوج السياسي لهذه الهيئات ضئيل جداً مقارنة بالمنجز العسكري الكبير، وبرأيي المتسبب الأول والأخير في هذا الزحف السلحفائي في الجانبين السياسي والدبلوماسي، هو إصرار القيادة على التمسك بالكادر الذي تنقصه الكفاءة والخبرة استجابة لآصرة القبيلة، وتخوف القيادة من الانفتاح على القاعدة العريضة من المستنيرين (النوعيين) المؤيدين لخطها الثوري، وهذا بالطبع يتعارض مع أي مشروع لتأسيس أي دولة، واذا لم تستدرك القيادة خطورة هذا التقوقع السياسي، فليس من الممكن انجاز مشروع التأسيس.
لم يحدث عبر التاريخ السوداني الحديث أن التف الشعب البسيط حول مشروع، مثلما هو حاصل اليوم من انحياز ومؤازرة لقوات الدعم السريع باعتبارها المخلّص، ولأنه فقد الأمل في النمط القديم لأشكال حكومات دولة ما بعد (الاستغلال)، فمثل هذا الزخم الثوري والشعبي لا بد أن تستوعبه مواعين سياسية أكبر من المواعين المطروحة الآن في الساحة – “قمم”، فإلى هذه اللحظة لم تتمكن هذه النخبة السياسية الجديدة من إحداث اختراق، يريح الأنفس العطشى لرؤية منظومة حكومية مدنية، تلتقط القفاز لتصنع مجداً يعكس نداءات القائد القادمة من خطاباته الثورية، المحدد فيها الهدف بكل دقة (استئصال الحركة الإسلامية علي كرتي)، هذه النخبة السياسية الجديدة المناصرة بكل صدق وأمانة، لمشروع التجريف الثوري الذي تقوم بواجبه قوات الدعم السريع، عليها أن تصحو من سباتها العميق، وتعمل من أجل تأسيس الدولة، فالدول لا تؤسس بضيق الأفق والانكفاء الذاتي وتهيّب الاندياح الشعبي والرسمي، فعندما تمسح بنظرك الجغرافيا الواسعة المسيطرة عليها قوات الدعم السريع، وتجري إحصاء تقديري للعدد المطلوب من الدستوريين والإداريين والتنفيذيين في الداخل، والذين سوف يشغلون السلك الدبلوماسي، وفي ذات الوقت تقارن هذه الطاقة البشرية المطلوبة مع المتاح من الكادر القليل العدد الساعي لإنجاز مشروع الدولة، تصاب بالخوف على مآلات الأمور، فلو أن بورتسودان سقطت اليوم في يد قوات الدعم السريع وانتهت اسطورة الدولة القديمة، هل هنالك جاهزية؟، وهنا لابد من التذكير بأن واحدة من أهم أسباب متاهة سفينة الإنقاذ، كان عدم أهلية الجبهة الإسلامية لسد الفراغات الدستورية بعد الانقلاب، فلنتعظ اليوم قبل الغد.