هل يمتلك الإسلام السياسي في السودان قرار تقسيم البلاد مجددًا؟!
هل يمتلك الإسلام السياسي في السودان قرار تقسيم البلاد مجددًا؟!
حاتم أيوب
هذا هو ما يسعى إليه الإسلام السياسي، كما جرت عادته حين يفشل في السيطرة على كامل السلطة، ويقترب من فقدانها. حينها يلجأ إلى استراتيجية التقسيم والتمسك بجزء من البلاد كوسيلة لإعادة إنتاج نفسه، وهو نهج تؤكده تجاربه الإقليمية والمحلية.
ما يروّج له أحد تيارات الإسلام السياسي، التي تقود الحرب في السودان حاليًا، في تقديري، ليس سوى تجلٍّ لجنون عظمة الأيديولوجيا الأحادية، التي ترى نفسها دائمًا على حق مطلق، وتعتبر أن السلطة لا بد أن تكون بيدها، بغض النظر عن المعايير، وبغصب إرادة الجميع وبقوة السلاح. إنها الازدواجية التي تمارسها ضد خصومها السياسيين المدنيين، لتبطش بهم سريعًا، وتعمل على إخضاع المجتمعات بالقوة لفرض الأمر الواقع بما يخدم أجندتها.
الخطاب الذي تتبناه هذه التيارات الآن يدل على أنها لم تتعلم من دروس الماضي وتجاربها، خاصة بعد أن عقدت مؤتمرها في إحدى مدن شمال السودان، بلسان قائد فصيل الحرب ومضمون حديثه حول ضرورة الاستغناء عن الغرب، والتوجه نحو جهة جديدة، وسط صمت بقية الفصائل في الجماعة. فهل يباركون هذا الإفلاس السياسي ويبشّرون بانفصال جديد في السودان؟
على السودانيين ألا ينسوا مكر الإسلام السياسي، الذي يظهر دائمًا في مواقف الانقسام الداخلي عند اتخاذ القرارات المصيرية، بين مؤيد ورافض، في مشهد يعبّر عن دهاء مقصود.
التحدي القائم أمام القوى المناوئة للجماعة، بكل تشكيلاتها، بما فيها الجيش السوداني، هو أن توحّدها الأهداف الكبرى المتمثلة في الحفاظ على وحدة السودان، وتأسيس دولة جديدة على نهج مختلف. هذا هو بيت القصيد.
وعليه، ينبغي ألا تنجرّ أي جهة إلى استفزازات الإسلام السياسي، الذي يسعى، بتكتيك إعلامي، لجر الخصوم والآخرين نحو أهدافه، من خلال بث خطاب تمهيدي لفرض واقع جديد يدعو إلى ضرورة فصل السودان مجددًا، بحجة أن الغرب بات بوابة للتآمر وجلب المرتزقة، وإذا لم يتم الفصل، فإنهم سيسيطرون على السودان كله.
الغاية الحقيقية للإسلام السياسي هي إنشاء “إمارته” الجديدة في شمال السودان، وهو خطاب مكرّر ومفضوح في ذاكرة السودانيين، كما هو مكشوف لدى القوى الفاعلة الحية.
رغم محاولات الإسلام السياسي إضفاء قداسة على فترة الحرب، باعتبارها معركة “الكرامة”، ورغم تغطيته الإعلامية التي تبشّر بالنصر، فإن الواقع يقوده إلى الخراب والانفصال، بينما يهرول نحو البحث عن اصطفاف دولي قديم ومتجدد، لحفظ شرعيته التي فُقدت أساسًا منذ انقلابه على السلطة المدنية في 2018.
فهل يجد من يرفع عنه هذا الضعف والتشظي المخيف؟
الفرصة لم تعد متاحة له ليكون قوة مسيطرة على السودان أو قادرة على فرض قبضتها على القرار، كما فعل سابقًا عند فصل الجنوب. واليوم، يسعى لتكرار السيناريو ذاته في غرب السودان.
الثروات، والنفوذ، والمجتمعات، واللاعبون… كلهم اليوم ليسوا كما كانوا في الماضي. المشهد تغيّر محليًا وعالميًا. ثمة فرق واضح بين موازين القوى والمنطق بين الماضي والحاضر.
إن واقع الأرض، ورغبة المجتمعات، والمصالح، كلها اليوم تلعب دورًا مختلفًا، بعد ثلاثين عامًا من تجربة حكم الإسلام السياسي التي جلبت الكوارث على السودان ومحيطه.
تلك التجربة وحدها كفيلة بمنع تكرارها.
وليس السودانيون وحدهم من يرفضون ذلك، فالعالم أيضًا لم يعد يتفرج. لن يسمح بتأسيس منصة جديدة تعيد نفس أدوات البطش والدمار، لتغرد خارج العالم الجديد وقيمه. فذلك يشكل تهديدًا حقيقيًا للسودان ولجوارِه وللسلم والأمن الدوليين.
لذلك، لا توجد نقطة واحدة يمكن أن تحفظ للإسلام السياسي لاحقًا في امتلاك قرار تقسيم السودان من جديد، ولا قدرة على السيطرة على مصيره المستقبلي. ولم تتوقف الحرب حتى الآن بما يفرض على الإسلام السياسي الاعتراف والتفاوض، والعودة إلى المنامة ثم جدة، لأنه ببساطة، لا يملك أن يكون المسيطر، ولا أن يفرض قرارًا بتقسيم البلاد أو تعطيل تأسيس النظام الفيدرالي الجديد.
نعود قريبًا