علي أحمد يكتب.. مسخرة محاكمة (حميدتي): قاضٍ يبكي.. ودمى تُحاكم.. وشعب يضحك

مسخرة محاكمة (حميدتي): قاضٍ يبكي.. ودمى تُحاكم.. وشعب يضحك

 

علي أحمد

 

منذ أن أشعل (إخوان) الجيش، وكتائبهم ومليشياتهم الإرهابية، حرب 15 أبريل 2023، عاش السودانيون حالة من الإحباط والاكتئاب والتشرد واللجوء، وكل ما يخطر ولا يخطر على بال أحد، إلى أن قررت حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبد الفتاح البرهان، إخراج شعبها الفقير إلى ربه، المشرد، الحزين، من واقعه التعيس، بإطلاق مسرح العبث البورتسوداني العظيم، الذي بدأ عروضه الشيقة بتابلوهات الممثلين الرائعين: *عقار، ومناوي، وجبريل، وشيبة ضرار، والناظر تُرك*، وبلغ ذروته بانضمام الممثل القدير *خالد الإعيسر*، الذي عاد إلى وطنه بعد سنوات أمضاها في بحوث ميدانية بشوارع لندن لدراسة مسرح العبث السياسي، فنال أرفع الخبرات في هذا المضمار، دون أن ينال شهادة دراسية واحدة، ولو في لغة البلد التي كان يعتاش من ضرائب أهلها، وعاد إلى الساحة بقوة في مسرحية (رجم الدُّمية)، التي وجدت تفاعلاً جماهيرياً كبيراً !

وأمس، زاحم *النائب العام* (الممثل العام) لسلطة بورتسودان، *الفاتح طيفور*، نظيره *الإعيسر* في نجومية الشباك، وانتزعها عنه بجدارة وثقة، حيث لم يُكلف نفسه شططاً بصُنع دمية مماثلة لقائد الدعم السريع (حميدتي)، بل أطلق لخياله العنان وخلق (حميدتي) خيالياً، وقدّمه للمحاكمة.

لكن جماعة مسرح العرائس، بقيادة وزير الإعلام، لم تُفوت الفرصة، فجاءت بالدمية (صنم حميدتي)، الذي تم رجمه سابقاً، وتم قتل الرجل نفسه بعد أسبوع من بداية الحرب، وشرعوا في ضربه ضرباً مُبرحاً أمام بوابة المحكمة (المسرح)، فيما استعان طيفور بسيارات للدفاع المدني (المطافي)، والكلاب البوليسية، وسيارة لترحيل المساجين المُتخيلين *(حميدتي وشقيقه عبد الرحيم)، و(14) آخرين*، جميعهم كانت (خيالاتهم) جالسة، مكبّلة اليدين والرجلين في تلك العربة التي توقفت أمام المحكمة، فصعد أفراد الشرطة وأنزلوا تلك (الخيالات) لمحاكمتها بتهمة الإرهاب!

وأقسم لكم بالله هذا ما حدث في بورتسودان، حتى إن الجمهور كان مستمتعاً، وكان الجميع يضحكون ويسخرون .. وبارك الله في البرهان وحكومته التي حفزت وعززت مسرح الخيال الكوميدي في المدينة الساحلية الكئيبة.

وهنا، لا يفوتنا أن نزجي الشكر والتقدير إلى وزير الإعلام، الممثل البارع خالد الإعيسر، ونطمئنه بأن النائب العام طيفور محض (ممثل مبتدئ) لم ينل حظاً من الخبرات المسرحية العليا في بريطانيا مثله، لذلك سرق منه فكرة الصنم (الدمية)، ولم يأتِ بجديد غير البُكاء والنحيب داخل المحكمة، وأثناء قراءته لمرافعته الفطيرة. لكن الحق يُقال: إنه قد أجاد دور الرجل الباكي وأتقنه.

في مرافعته أمام المحكمة الخيالية، قال *طيفور* ، الممثل العام لسلطة المسخرة، وهو يتلو صحيفة الاتهام بصوت متهدّج وباكٍ، إن “قوات الدعم السريع توجهت يوم 15 أبريل 2023 إلى منزل *(الرئيس)* – *فيما البرهان نفسه لا يجرؤ على وصف نفسه بالرئيس* – تريد قتله أو اعتقاله، لكن إرادة الله أفشلت هذا المخطط، ولولاها ولولا استبسال أفراد الحرس الرئاسي” – *وهنا شرع الرجل في البكاء وانتحب بمرارة وحُرقة* – ثم عرّج إلى أحداث “*الجنينة*” فبكى مرة أُخرى، وتحولت المحكمة إلى بيت للبكاء والعويل والنحيب، وسقطت هيبة القضاء وتناثرت أشلاؤها مِزعاً مِزعاً بالقرب من (دمية حميدتي) التي تمزّق قطن أحشائها بسبب الضرب التي تعرضت له على يد معاتيه السلطة التي فقدت عقلها ورشدها!

لقد أرهق الممثل الجديد، (الجاهل العام) هذا، المنافقين الذين سيأتون من بعده بقدرات نفاقية وتهريجية أيَّما إرهاق، وكلّفهم شططاً، فكيف سيبزونه ويتفوقون عليه بعد هذا الجهد الكبير والمضني الذي قام به، فوضع الإعيسر والآخرين خلفه بمسافات كبيرة؟

لكن اللافت في الأمر أن طيفوراً هذا ربما قصد أن يوجّه سهامه بهذه المسرحية (اللذيذة) إلى وزير العدل في حكومة البرهان، واسمه “*معاوية عثمان*”. هل تذكرونه؟!

إنه الرجل الذي ظهر يتأتئ بلغة هيروغليفية، لا هي إنجليزية فيفهمها القضاة، ولا هي عربية حتى يمكن ترجمتها لهم، في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، في قضيتهم الهزلية المخجلة ضد دولة الإمارات الشقيقة، وقد أثار وقتها موجة من السخرية، وأضحك العالم علينا، بل – وللسخرية – أضحكنا على أنفسنا، وخلق (جوّاً جميلاً)، ونقل الكوميديا السودانية إلى العالمية. هل تذكرونه؟

هو بالضبط من يوجّه إليه النائب العام طيفور سهام مسرحيته التي عُرضت أمس في بورتسودان، ربما يفعل ذلك ليحلّ مكانه في مسرحية (التغيير الوزاري المرتقب)، وهي مسرحية من إنتاج وإخراج وسيناريو البرهان شخصياً، لذلك فإن جميع من ينشطون بساحة الهزل المسرحي البورتسوداني يتنافسون لكي يتم اختيارهم ضمن طاقمها. وأظن أن طيفوراً هذا، بأدائه في مسرحية أمس، ربما حلّ مكان معاوية، وإن كانا وجهين لعملة واحدة، جهل وركاكة ورثاثة وتأتأة وعدم القدرة على القراءة في حدود *همزة إن*!

*من لم تُضحِكه سلطة البرهان، فلا مُضحِك له!*

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.