علي يس يكتب: نعي البرهان!!..

 

كثيرون ممن تناولوا بالتحليل حديث عبد الحي يوسف ، أو – للدقة – جميع الذين سمعتهم أو قرأت لهم تحليلا لحديث الرجل ، وقفوا عند (السطح) ، أو لنقل: عند الجزء الظاهر من جبل الجليد..
صحيح إنهم ما قصروا في قراءة ظاهر حديث عبد الحي قراءة صائبة من حيث كشف تناقضاته ، و افتراض أبعاده الظاهرية ، و افتراض دوافعه ، غير إنهم لم يقفوا عند (الوزن التنظيمي) لعبد الحي داخل (الحركة الإجرامية السودانية) و دواعي و دوافع هذا الحديث و توقيته أو توقيت بثه.
الذي يعرف خبائث الحركة المتأسلمة سيدرك توا أن حديث عبد الحي لم يكن حديثا عفويا ، ولا كان من استنطقه يفعل ذلك عفو الخاطر (فعبد الحي ما كان ليغامر بانتقاد تصرفات و مواقف للبرهان يعلم الجميع أنه – أي عبد الحي – لم يكن فقط من الساكتين عنها في وقتها ، بل كان من داعميها ، مثل مقابلة البرهان لنتنياهو في العاصمة الأوغندية و من ثم الشروع في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني”التي يعلم كل ذي بصيرة أنها لم تكن من بنات أفكار البرهان بل كانت (تعليمات) من قيادة الحركة المتأسلمة ، مخافة أن تسبقهم قحت بالمبادرة بالتطبيع مع إسرائيل فتنال رضاء و مساندة أمريكا لاحقاً.. (و من يقرأ مواقف أمريكا اللاحقة لتطبيع البرهان منذ اعطائها الضوء الأخضر لانقلاب الخامس و العشرين من اكتوبر و حتى مواقفها الرخوة تجاه الحرب الراهنة و اعترافها المضمر بحكومة البرهان رغم تناقض ذلك مع جميع أدبياتها القائلة بدعم الديمقراطية و إدانة و إقصاء الانقلابيين ، من يقرأ هذه المواقف الأمريكية يدرك أن اميريكا لم تنس للبرهان و لا للحركة المتأسلمة مبادرتهم بالتطبيع مع إسرائيل)..
ما كان عبد الحي ليغامر بانتقاد رجل يعلم الجميع أنه ظل من أصلب داعميه ، منذ أن ساعده البرهان في الهروب إلى تركيا رغم الدعاوى القضائية المرفوعة ضده ، و من ثم تأييد عبد الحي إنقلاب أكتوبر ثم ثناؤه على قتل المتظاهرين ضد الانقلاب..
يبقى السؤال إذا: لماذا أصبح البرهان ، فجأة ، في نظر عبد الحي ، رجلاً بلا دين ، و بلا أخلاق ، و خائنا ؟؟..
في الحقيقة ، ليس هذا الحديث حديث عبد الحي “أصالة عن نفسه” بل هو حديث الحركة المتأسلمة الذي وضعته على لسان عبد الحي ، لشيء في نفسها..
البرهان أصبح ، بالنسبة للكيزان ، “كرتا محروقا” فهو ، إلى جانب فشله المؤزر في إدارة حربهم الفاجرة ، أصبح مكروهاً حتى من جانب مؤيدي استمرار الحرب ، فأكاذيبه المتناسلة أصبحت مكشوفة للجميع ، و بلاهة خطابه أصبحت موضع سخرية الداخل والخارج ، فضلاً عن أن مكان البرهان في الحركة المتأسلمة هو بالأساس مكان (المؤلفة قلوبهم) .. رأى المتأسلمون ، في ما بدا لي من حديث عبد الحي ، أن المرحلة تستوجب إبعاد البرهان عن المشهد ، و تسليم راية الحرب (أو التفاوض) لشخص أعمق انتماء للكيزان “لعله يكون الكباشي”..
أقرأ حديث عبد الحي ” المخطط له بدقة ، باعتباره إيذانا بإعلان ركل البرهان خارج الحلبة.
أما كيف يتم هذا الإجراء الذي حان وقته ، فالسيناريوهات المحتملة عديدة ، قد يكون من بينها إعلان “استشهاده” و تنظيم (عرس شهيد) مناسب ، أو ربما تم إجباره على الاستقالة ، أو ، إذا (ركب راس) إيداعه السجن بتهمة تناسب الإجراء.
اللازم تأكيده أن حديث عبد الحي لم يكن ظرفيا ، و لا مجانيا ، و لا مجرد “فضفضة” و لا حتى مجرد حديث عفوي يعبر عن قائله.. و الله تعالى أعلم.
هامش: يقتضيني واجب الصدق ، القول إنني بعد فراغي من كتابة هذه المقالة ، طالعت مقالة للأستاذ صلاح شعيب على “فيس بوك” تعاملت مع حديث عبد الحي بالعمق المطلوب ، توصل فيها تقريباً إلى ذات الفرضية التي تضمنتها هذه المقالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.