(نيويورك تايمز): الجيش السوداني يمنع دخول المساعدات الإنسانية

(قد يواجه السودان الذي يشهد حربا أهلية منذ نحو عام ونصف واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود)، على ما يؤكد خبراء لصحيفة “نيويورك تايمز”.
هذا التحذير يتسق مع ما تحدثت به منظمات إغاثية، وحتى مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة، في أواخر يونيو، أن في ظل معاناة نصف السكان من جوع شديد، هناك 14 منطقة في أنحاء البلاد تواجه خطر المجاعة. ويمر السودان بأسوأ أزمة جوع في العالم منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، وفق ما نقلته رويترز.
ويشير تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الجيش السوداني يمنع إدخال كميات هائلة من المساعدات عبر معبر حدود حيوي، وهو ما يعمق من أزمة الجوع في زمن الحرب. ونقلت الصحيفة عن جماعات إغاثية أن هذه المساعدات ضرورية لمنع حدوث آلاف الوفيات، ومنع إدخال المساعدات من معابر يؤثر على ما لا يقل عن 2.5 مليون سوداني. معبر أدري في بؤرة الأزمة ويتركز الحديث عن معبر أدري الذي يوصل المساعدات القادمة من تشاد إلى دارفور، والتي تقدر بمساحة إسبانيا، وكانت قد عانت من إبادة جماعية قبل عقدين، ويوجد فيها ثماني مناطق على الأقل من بين 14 منطقة مهددة بخطر المجاعة المباشرة. هذا المعبر يتدفق عبره كل شيء إلا شاحنات المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة، حيث يتدفق اللاجئون والتجار، ودراجات نارية تحمل جلود الحيوانات وعربات تجرها الحمير محملة ببراميل الوقود، وفق الصحيفة. ويقول الجيش السوداني إن معبر أدري المؤدي إلى ولاية غرب دارفور، التي تطلب منظمات الإغاثة دخولها، يُستخدم في إمداد قوات الدعم السريع بأسلحة بحسب تقرير لوكالة رويترز. وتشير الصحيفة إلى أن التذرع بتهريب الأسلحة “لا معنى له” إذ يمكن أن تستمر الأسلحة والمقاتلون في التدفق للسودان، الذي يمتلك حدودا طولها أكثر من 1400 كلم، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على العديد من نقاطها. وحتى معبر أدري، الذي أصدر الجيش أمرا بمنع دخول المساعدات من خلاله قبل أشهر، تقول الصحيفة إن “انعدام إمكانية الجيش على السيطرة على أي شيء يدخل عبره واضح بشكل ملفت”، مشيرة إلى أن المتنقّين يحملون مئات البراميل من الوقود والتي تستخدم لصالح مركبات الدفع الرباعي التابعة لقوات الدعم السريع، والتي تتربع فوقها الأسلحة. وتقول الأمم المتحدة إنها يجب “أن تحترم أمر عدم العبور من الجيش” المتمركز في بورتسودان على بعد 1600 كلم إلى الشرق، ولهذا تحتاج شاحنات الأمم المتحدة للذهاب في رحلة شاقة لأكثر من 300 كلم شمالا، إلى معبر الطينة الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني، حيث يسمح لها بالدخول باتجاه دارفور.
وتقول منظمات إغاثة إن معبر التينة لا يمكن استخدامه بسبب الأمطار، وهو المعبر الوحيد الذي تسمح الحكومة بالمرور منه إلى إقليم دارفور الذي توجد به معظم البؤر المعرضة لخطر المجاعة. وتشير الصحيفة إلى أن الرحلة إلى معبر الطينة “خطيرة وغير سهلة” وتزيد تكاليف النقل لخمسة أضعاف، ناهيك عن أنه لا يمر إلا جزء بسيط من الشاحنات والمساعدات المطلوبة، ومنذ فبراير لم تدخل سوى 320 شاحنة من المواد الغذائية، فيما يؤكد مسؤولون في الأمم المتحدة أنه بدلا من إدخال آلاف الشاحنات، حولت الأمطار المعبر إلى ما يشبه النهر.
وفي مؤتمر صحفي الخميس، جددت مفوضية العون الإنساني “التزام السودان بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة”، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السودانية “سونا”. ونوه عثمان خوجلي المكلف للعون الإنساني في السودان إلى “التزام الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة في جهود توصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة.
وأوضح خوجلي أنه “تم الاتفاق على عدد من المعابر والمطارات مع دول الجوار مع مصر وتشاد وجنوب السودان لتسهيل عملية الإغاثة وتقديم المساعدات للنازحين”.
ومع إغلاق معبر أدري، منذ فبراير وحتى الآن، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات مرتفعة من الجوع من 1.7 مليون شخص إلى سبعة ملايين نسمة.
من جانبه، نفى وزير الزراعة السوداني، أبو بكر البشري، في المؤتمر الصحفي ذاته الخميس، وجود مجاعة في البلاد وشكك في بيانات مدعومة من الأمم المتحدة مفادها أن 755 ألف نسمة يعانون من جوع كارثي. وذكر أن 755 ألف مواطن ليسوا نسبة كبيرة مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان، وإنه لا يمكن وصف ذلك بالمجاعة.
وعقب صدور بيانات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يمكن للجنة مستقلة إعلان حدوث مجاعة، وهو ما يُحتمل أن يدفع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى إصدار أوامر بتجاوز أي قيود يفرضها الجيش على معابر يمكن استخدامها في توصيل المساعدات.
سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، قالت للصحفيين مؤخرا “إن هذه العرقلة غير مقبولة”، في إشارة إلى منع إدخال المساعدات عبر معبر أدري. المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس الحارث دافع في مقابلة عن إغلاق معبر أدري، وقال إن “الأمم المتحدة سعيدة بترتيب توجيه الشاحنات شمالا لمعبر الطينة”. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتنبأ بحدوث مجاعة في السودان تعتمد على “أرقام قديمة” وتبحث عن “ذريعة للتدخل الدولي”. واتهم الحارث مانحين بـ “تسييس متعمد ودقيق للمساعدات الإنسانية للسودان”.
عمال الإغاثة والمسؤولون الأميركيون يقولون إن قيادة الأمم المتحدة يجب أن “تحث بقوة أكبر” على إعادة فتح معبر أدري، ويتساءلوا لماذا لا يتم تكثيف الضغط بجعل الشاحنات تصطف أمام المعبر. ولم يرد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لدى السودان على استفسارات “نيويورك تايمز”.
وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء أنها دعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام في أغسطس المقبل في سويسرا بهدف إنهاء النزاع في السودان. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن واشنطن “دعت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، بوساطة الولايات المتحدة، تبدأ في 14 أغسطس في سويسرا”. وأضاف أن المحادثات التي ترعاها أيضا السعودية ستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب.
وحذرت منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في تقرير الاثنين، من أن 15 شهرا من الحرب في السودان كان لها تأثير “كارثي” على المدنيين. ويورد التقرير أن “ما يبدو وكأنه صراع بين طرفي نزاع هو في الواقع حرب ضد الشعب السوداني”. في حين أوقفت منظمات عديدة أنشطتها في البلاد، تواصل منظمة أطباء بلا حدود العمل في ثماني ولايات في جميع أنحاء السودان.
وذكر تقرير للأمم المتحدة، نشر في نهاية يونيو، أن نحو 26 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يواجهون حاليا “انعداما حادا للأمن الغذائي”. وقد اتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب لاستهدافهما مدنيين عمدا. منذ بداية الحرب، اتهم الجيش وقوات الدعم السريع بنهب المساعدات الإنسانية وعرقلة توزيعها، فضلا عن تدمير النظام الصحي الهش أصلا، في حين نفى الطرفان الاتهامات الموجهة بحقهما.
الحرة – واشنطن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.