اجتماعات جيبوتي للفاعلين الدوليين والإقليميين .. خطوة في إتجاه وقف الحرب
بورتسودان – اسكاي سودان
شهدت عدد من عواصم الدول في الأيام الماضية حراك مكثف بشأن الأزمة السودانية ووقف الحرب، وما بين أديس أبابا والقاهرة وسويسرا ربما يتشكل واقع جديد يدفع طرفي الصراع في السودان الى العودة الى المفاوضات، وفي سياق المجهودات الساعية لوقف الحرب في السودان تحتضن جيبوتي في الفترة من ٢٤-٢٦ يوليو ٢٠٢٤م اجتماعات مهمة للفاعلين الدوليين والاقليميين حول السودان، أولاهما الاجتماع التشاوري الثاني لتعزيز تنسيق مبادرات وجهود السلام في السودان يوم غد الأربعاء ٢٤ يوليو، وثانيهما اجتماع الوسطاء للتخطيط حول تعزيز جهود إحلال السلام في السودان يومي ٢٥-٢٦ يوليو ٢٠٢٤م.
وفي سياق متصل بالمسألة أعربت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عن خالص تقديرها لهذه الجهود الاقليمية والدولية المتصاعدة لإسكات أصوات البنادق في السودان، وقالت في بيان صادر عنها أنها تأمل أن تخرج هذه الاجتماعات بنتائج ايجابية تنهي معاناة الشعب السوداني، وطالبت بان تركز الجهود على قضايا العون الانساني وحماية المدنيين، وشددت تقدم على ضرورة أن تلزم أطراف النزاع بفتح مسارات إيصال وتأمين وتوزيع المساعدات الإنسانية بالإستفادة من تجارب السودان السابقة في إيصالها عبر الحدود وعبر خطوط النار، كما يجب الزام الطرفين بحماية المدنيين والوصول لوقف عاجل للعدائيات والدفع بخيارات تفعيل الإطار القانوني الدولي في مجالات مسؤلية الحماية وآليات حماية المدنيين والممرات الآمنة في ظل الحرب، بما فيها حماية العاملين في المجال الإنساني.
وطالبت تقدم في بيانها بان تولى قضايا النازحين واللاجئين أولوية بإيجاد معالجات للأزمة المتفاقمة، بما يشمل تقنين لاوضاعهم الحالية في الدول التي لجأووا اليها، وتوفير سبل الحماية والخدمات الضرورية من سكن وصحة وتعليم، وجددت تقدم الدعوة للمانحين للايفاء بتعهداتهم المالية المطلوبة للاستجابة للكارثة الإنسانية في السودان وفق عملية إنسانية شاملة تقودها الأمم المتحدة، وطالبت تقدم بالوقف العاجل للعدائيات وشددت على ضرورة عودة الطرفين عاجلاً للمفاوضات والبناء على ما سبق الاتفاق عليه في كافة المنابر التي شاركوا فيها، وضرورة توقيع اتفاق وقف للعدائيات بآليات مراقبة فعالة وملزمة.
وبالنسبة للعملية السياسية لإنهاء الحرب، فان تقدم ترى أن تكون العملية السياسية مملوكة للسودانيين وبقيادتهم، وأن تخضع لتشاور كافي مع القوى السودانية حول قضايا الاجندة والأطراف والزمان والمكان ودور الميسرين الاقليميين والدوليين، كما يجب أن لا تكون مكاناً لإعادة تسويق من لفظهم الشعب السوداني عبر ثورة شعبية لن تنجح الحرب في قبرها وسرقة آمال الملايين الذين خرجوا فيها.
وترى تقدم بحسب بيانها إن الوصول لسلام مستدام يتطلب مخاطبة جذور القضايا التي أدت لتناسل الحروب واستمرارها في بلادنا، ومستقبل السودان يجب أن يكون تحت ظل حكم مدني ديمقراطي يعترف بالتعدد والتنوع ويكون فيه جيش واحد مهني وقومي يخضع للسلطة المدنية الشرعية، وترى تقدم إن تصميم العملية السياسية يجب أن يبنى على الوصول لهذه الغايات، لا على تسويات فوقية تفاقم من الحروب والنزاعات في السودان.
وأفاد بيان تقدم بأن أزمة السودان هي مسار اهتمام اقليمي ودولي متصاعد، وأعرب البيان عن تقدير تقدم لكافة المبادرات والوساطات، إلا أنه بدون توحيد المنبر التفاوضي فإن هذه المحاولات لن تثمر سلاماً، وشدد البيان غلى ضرورة أن يخلص الاجتماع لتنسيق حقيقي بين كافة المبادرات يؤدي لتصميم عملية موحدة تسرع من إنهاء النزاع في السودان، وأن يساهم الفاعلين الاقليميين والدوليين في وقف الحرب عاجلاً والنأي التام عن كل ما يؤججها ويطيل من أمدها.
وبالنسبة لقضية الشرعية، فأن تقدم ترى أن انقلاب ٢٥ أكتوبر قطع مسار الانتقال المدني الديمقراطي الذي عبر عن الإرادة الشعبية في ثورة ديسمبر المجيدة، ومنذ ذلك التوقيت غابت الشرعية تماماً عن البلاد وزادت الحرب من سوء الأوضاع، وعليه لا يجب منح أي مشروعية لأي جهة عبر فوهة البندقية، وقالت تقدم في بيانها أنها تتمنى أن تثمر اجتماعات جيبوتي عن تنسيق حقيقي لجهود جميع الفاعلين الاقليميين والدوليين بما يضمن الوصول لسلام مستدام في السودان، وأكدت انها ستواصل عملها الدؤوب مع كافة الأطراف السودانية والدولية الراغبة في وقف الحرب واستدامة السلام في سودان مدني ديمقراطي يسع الجميع.
وفي سياق متصل أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعوة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى محادثات وقف إطلاق النار التي تستضيفها المملكة العربية السعودية وسويسرا، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صادر عنها انه على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، دفع الصراع المروع في السودان الملايين إلى حافة المجاعة وتشريد ما يقرب من 10 ملايين شخص. ويستمر في التسبب في معاناة لا حدود لها للشعب السوداني، وقال البيان ان الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بالعمل مع الشركاء لإنهاء هذه الحرب المدمرة، بناءً على عمليات جدة السابقة التي تم تيسيرها بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية.
ودعت الولايات المتحدة الامريكية بحسب بيان الخارجية الامريكية القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار التي تتوسط فيها الولايات المتحدة والتي تبدأ في أغسطس. 2024، في سويسرا. وشكرت حكومة سويسرا لعرضها استضافة المحادثات، ورحبت بالمملكة العربية السعودية باعتبارها مضيفًا مشاركً، وقالت الخارجية الأمريكية انه من المقرر أن يشارك في المحادثات الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة بصفة مراقب.
وأفاد بيان الخارجية الأمريكية أن المحادثات في سويسرا تهدف إلى التوصل إلى وقف العنف على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق، وقطع البيان بأن هذه المحادثات لاتهدف إلى معالجة القضايا السياسية الأوسع، مشيرا الى ان الشعب السوداني منذ فترة طويلة ظل يطالب بأن يعود الحكم في السودان إلى المدنيين، وشدد البيان على ضرورة أن يلعب المدنيين الدور القيادي في تحديد عملية معالجة القضايا السياسية واستعادة التحول الديمقراطي في السودان.
وأشار بيان الخارجية الأمريكية الى حجم الموت والمعاناة والدمار في السودان، وشدد على أن هذا الصراع الذي لا معنى له يجب أن ينتهي، ودعت الولايات المتحدة الامريكية القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى حضور المحادثات والتعامل معها بشكل بناء، مع ضرورة إنقاذ الأرواح ووقف القتال وإيجاد طريق لحل سياسي تفاوضي للصراع، وقالت الخارجية الامريكية بحسب بيانها (إننا ننضم إلى دعوات الشعب السوداني من أجل السلام والانتقال الديمقراطي، ونحث الأطراف على وقف القتال من أجل مستقبل أكثر إشراقا للسودان).
وفي سياق متصل قالت مجلة فورين بوليسي نقلا عن خمسة مسؤولين حاليين وسابقين مطلعين إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ستطلق مبادرة جديدة لإنهاء حرب السودان بعد أشهر من المفاوضات خلف الكواليس، وأوضحت المجلة أن (سويسرا والمملكة العربية السعودية) ستستضيفان المحادثات رفيعة المستوى منتصف أغسطس المقبل، وسيتم دعوة قوى ومؤسسات إقليمية أخرى لها مصالح في الصراع، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات لمراقبة المباحثات.
وأشارت المجلة إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان (توم بيرييلو) سيطلع الكونغرس الأسبوع الجاري بخطط المفاوضات، وأن بيرييلو سيشارك في إقناع كبار المفاوضين من كلا جانبي الصراع بحضور المحادثات، وأكدت المجلة أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد سيفتتحا المباحثات ويترأسا المحادثات المرتقبة، حال موافقة الأطراف.
ومؤخرا عاد الحديث بقوة عن مخرجات الاتفاق الذي وقعه في يناير الماضي بالأحرف الأولى شمس الدين كباشي وعبدالرحيم دقلو نائبا قائدي الجيش والدعم السريع، في وقت كشفت فيه مجلة فورين بوليسي الأميركية عن جولة مفاوضات جديدة (رفيعة المستوى) بين طرفي القتال، وتجرى المفاوضات في سويسرا والمملكة العربية السعودية ويشارك فيها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤولين من البلدان التي عملت على تسهيل مفاوضات المنامة.
وفي سياق متصل بالمسألة أكد محمد المختار النور مستشار قائد قوات الدعم السريع في مقطع فيديو على منصة (إكس) أكد إن مخرجات اتفاق المنامة تضمنت 21 بندا تم الاتفاق عليها بالفعل، وكان من المفترض الانتقال بعدها لاتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، وأشار المختار إلى أن الاتفاق تضمن بناء جيش مهني قومي يعبر عن التنوع السوداني على مستوياته كافة، ويتم تأسيسه بمبدأ التوزيع العادل للفرص ومن دون انتماء سياسي.
وتضمن الاتفاق تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإعادة القبض على انصار النظام السابق المتهمين الفارين من السجون بعد الحرب، واستبعاد المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية التابعة له، وواجهاتها عن المرحلة الانتقالية واعتماد العدالة الانتقالية كمبدأ يتضمن المحاسبة والحقيقة والمصالحة، وجبر الضرر، والإصلاحات المؤسسية، وتضمن الاتفاق أيضا إقامة حوار وطني شامل، يشارك فيه كل الفاعلين السياسيين، باستثناء المؤتمر الوطني وواجهاته بحيث يفضي لإطار للحكم يضمن اقتسام السلطة والثروة بعدالة، ويعتمد مبدأ المواطنة المتساوية.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في السودان في منتصف أبريل 2023، طرحت أطراف دولية وإقليمية 9 مبادرات لوقف الحرب لكنها لم تنجح حتى الآن في حل الأزمة، وفي حين عرضت تلك المبادرات حلولا وخطوات عديدة لوقف الحرب وتوصلت إلى مقررات شملت عقد لقاءات مباشرة بين قائدي الجيش والدعم السريع، إلا أن تلك المقررات لم يتم تنفيذها.
وعزا مراقبون وفاعلون سياسيون فشل كل تلك المحاولات والجهود إلى تعدد المنابر وعدم رغبة بعض الأطراف في الوصول إلى سلام إضافة إلى الضغط الذي تمارسه مجموعة الإخوان المسلمين الرافضة لوقف الحرب التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد اكثر من 12 مليونا وأحدثت دمارا هائلا في اقتصاد البلاد وبنيته التحتية والمجتمعية .. وما بين هذا وذاك ربما تقود إجتماعات الفاعلين الدوليين والاقليميين بجيبوتي الى خطوات حاسمة في إتجاه وقف الحرب بالسودان.