دين “الكيزان” الرخيص!!

علي يس

** الذي يعنيني حقاً في هذه الكلمة ، هو فحص طبيعة «الوعي الديني»وعلاقته بـ «الوعي المطلق» بالأشياء وبالقيم.. بالخالق وبالمخلوق.. بالمعاني وبالظواهر، لدى كل من النموذجين المذكورين:أدناه
– النموذج (الكيزاني) الذي يتعامل مع النصوص الدينية باعتبارها منظومة قيم «متحوصلة» محددة، وحاسمة ومنافسة لمنظومة القيم الإنسانية العامة!! والنصوص عند هذا النموذج هي العالم كله، والسلف عنده كائنات مقدسة وليسوا بشراً، وفهمهم – أو ما زعم الرواة أنه فهمهم – للنصوص، هو الحجة الباهرة والبرهان الساطع ومبلغ علم العلماء وفقه الفقها ء
– والنموذج الآخر ،الذي يفقه معنى الدين ك”قانون” وضعه الخالق لضبط و تنظيم العلاقات بين الخلق ، متمثلاً بالأساس في مبادئ الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والتي افترعت عنها جميع القيم الإنسانية الرفيعة التي يحترمها جميع أهل الملل ما دامت فطرتهم سوية.
** من أعظم معجزات القرآن الكريم – لو تأمله المتأملون بعقول مشرعة، حرة، وواثقة – تسفيهه المتواصل للتدين الكسول، الرخيص، والموروث، الذي لا يبذل فيه المتدين ما هو أبعد من الإطلاع على أقوال السلف، ثم الاعتصام بها والعض عليها بالنواجذ..!!
** القرآن يصفع هؤلاء في كثير من آياته الكريمة، حين يقرر لك ببساطة ووضوح أيها القارئ، أن الدين ليس هو ما وجدت عليه آباءك فاقتديت، دون أن تبذل جهداً «عقلياً» من عندك.. يستوي في هذا جميع الأديان بما فيها الإسلام نفسه.. الدين ليس هو ما ورثته عن آبائك، لأنه لو كان الأمر بتلك البساطة لكان الله – سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً- ظالماً لبعض الناس ومحابياً لبعض آخر!!
** فكما أنك ورثت عن آبائك الدين الحق، دون أية ميزة خاصة بك سوى ميزة انتمائك إلى آباء مسلمين، فإن من حق النصراني أن يرى أنه ورث عن آبائه الدين الحق.. ومن حق اليهودي بل من حق الوثني أن يرى الأمر كذلك بالنسبة إليه!!.. فما الفرق، اذاً، بينك وبين أُولئك الذين قال لك “آباؤك” أنهم ليسوا على الدين الحق؟ «ولاحظ أنهم، هم ايضاً، يقول لهم آباؤهم أنك ضال».
** لماذا، يا ترى، يمكن أن يحابيك الله، ايها المسلم، فلا يكلفك إلا اتباع آبائك، بينما يتحامل على الآخرين – النصارى واليهود وغيرهم- فيطالبهم بمخالفة آبائهم، واتباع آبائك انت؟!
** لماذا يأخذ القرآن على أصحاب الاديان السابقة كلها، قولهم: «هذا ما وجدنا عليه آباءنا» او قولهم: «إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وانا على آثارهم مقتدون» ثم يستثنيك أنت؟!
** لماذا يحتاج رجال أمثال «روجيه جارودي» أو «يوسف إسلام» أو «مالكولم أكس» أو «جيفري لانج» إلى إرهاق عقولهم وأبدانهم، بالبحث والفحص والغربلة في جميع الأديان، بدءاً بأديان آبائهم، حتى يصلوا بأنفسهم – لا بما قال السلف- إلى الدين الحق، بينما تنام أنت ملء جفونك، مطمئناً إلى أنك وارث الحقيقة؟!
** إن «مسلماً» لا يعالج أمثال هذه الأسئلة الجوهرية ليس جديراً بالإطمئنان إلى دينه، تماماً كما هو الشأن بالنسبة إلى غير المسلم.. ولا شئ يحزننا أكثر مما تحزننا حقيقة أن معظم حملة الالقاب الدينية عندنا، ومعظم حملة رايات العلم الديني ممن يصنفون الكتب ويمارسون الدعوة «وخصوصاً من ينتسبون منهم إلى التيار السلفي»، هم أناس لا عهد لهم بأمثال هذه الاسئلة الجوهرية، ولا عزم لهم عليها، تجد ذلك الكسل الذهني شاخصاً في كتاباتهم ومحاضراتهم وخطبهم التي هي مجرد نقل أمين عن الأسلاف!!
** ت الحجة على غير المسلمين الذين يأخذون دينهم نقلاً، كما نأخذ ديننا نقلاً..!!لا يتصور أحدهم، مطلقاً، أن عدالة الله المطلقة تقتضي المساواة الكاملة بين البشر في تكليفهم بالبحث عن الحقيقة، بحثاً لا يرتهن إلى أية مسلمات قبلية، ولا يتورع عن مناقشة أي مصدر، والشك في أي مشرب، والإحتكام إلى العقل وحده، بعد الإخلاص والإستعانة بالله.. إذ لو كان النقل المجرد حجة، لبطلات الحجة على غير المسلمين الذين يأخذون دينهم نقلاً، كما نأخذ ديننا نقلاً..!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.