الزين عبد العزيز يكتب: المبادرات الشعبية في زمن الأزمات: حين يغيب النظام وتنهض الإرادة

المبادرات الشعبية في زمن الأزمات: حين يغيب النظام وتنهض الإرادة

 

✏️ بقلم .الزين عبد العزيز بركة

 

في أوقات الحروب والكوارث، تتعطل المؤسسات، وتتوقف الخدمات الأساسية كالتعليم، والصحة، والأمن، وتضيع قدرة الدولة على تلبية الحاجات الضرورية للمواطنين. يغادر كثير من أصحاب المهن أو يختفون خلف العجز، وتبقى المجتمعات في مواجهة قاسية مع واقع لا يرحم. ومع ذلك، تظهر وسط هذا الانهيار طاقات فاعلة، تنبض بالحياة، وترفض الاستسلام.

 

المبادرات الشعبية: استجابة المجتمع حين يصمت الجهاز الرسمي

 

ليست كل أزمة نهاية، وليست كل دولة غائبة تعني غياب الحلول. فقد أثبتت التجارب أن الشعوب قادرة على النهوض من الداخل، حين تتحرك ضمائر أبنائها وتتجه طاقاتهم نحو الفعل الجماعي. المبادرات الشعبية، مهما بدت صغيرة، تحمل في طياتها أثرًا كبيرًا، خاصة حين تنبع من الإيمان بالمسؤولية والشعور بالانتماء.

 

إن تحرّك المعلمين لتدريس الأطفال في بيئات غير مدرسية، أو قيام أطباء بتقديم إسعافات أولية في ظروف شحيحة، أو تحرك حرفيين لتأمين احتياجات مراكز الإيواء، أو إصحاح البيئة هو في جوهره ترجمة صادقة لفكرة أن المجتمعات لا تنهار بالكامل طالما فيها من يبادر ويهتم.

 

بين المبادرة الفردية والتأثير الجماعي

 

المبادرات الناجحة لا تعوّض غياب الدولة، لكنها تُحدث فارقًا واضحًا في حياة الناس. هي قادرة على تقليل المعاناة، ورأب الشروخ الاجتماعية، وإشاعة الأمل، خصوصًا في البيئات الهشة. كما أنها تفتح المجال أمام التعاون، وبناء الثقة المجتمعية، وتحفز المزيد من الفاعلين للمشاركة.

 

هذه المبادرات يمكن أن تكون بسيطة في شكلها، لكنها عظيمة في أثرها؛ فتح مدرسة ، قافلة طبية، حملة نظافة، جلسة دعم نفسي، ورشة حرفية، أو حتى حوار مجتمعي… نشاطات رياضية بمختلف أنواعها كلها تُسهم في ترميمِ ما تتركه الحروب من تصدعات.

 

نماذج ملهمة: ما بعد الخراب تبدأ الحكاية

تشير تجارب عدد من الدول التي مرت بكوارث إنسانية إلى أن المبادرات المجتمعية كانت نقطة التحول في عودة الحياة إلى طبيعتها. لم تكن هذه الجهود بديلاً تامًا عن الدولة، لكنها كانت ضرورية لسدّ الفراغ، والتمهيد لعودة مؤسسات الدولة إلى العمل. من هذه النماذج ما حدث في بعض الدول الإفريقية، التي استطاعت بفعل المبادرات المجتمعية وتضامن افرادها أن تعيد للأطفال فرصة التعليم، وفتح الجامعات وتخفض نسب الأمية، وتعيد صياغة العلاقة بين المواطن ومحيطه ونشر روح التسامح والدعوة الى السلام والعدالة.

 

خاتمة: الطريق يبدأ من الداخل

 

ما تحتاجه مجتمعات ما بعد الحرب ليس فقط دعمًا خارجيًا أو إصلاحًا مؤسساتيًا، بل حاجة فعلية إلى وعي داخلي يقود إلى التحرك، والعمل، والمبادرة. فحين تتضافر الجهود المحلية، وتتقدم الكفاءات بضميرها المهني والوطني، يصبح الطريق إلى التعافي أقرب، ويُبنى وطن يليق بالإنسان، ويحتضن مستقبله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.