عمار سعيد يكتب: الكباشي في “متحرك الصياد”: مناورة عسكرية أم تصفية سياسية؟
صدر قرار بإسناد قيادة متحرك “الصياد” للفريق شمس الدين الكباشي، أحد أبرز جنرالات الجيش وأكثرهم ارتباطًا بتاريخ الصراع السياسي والعسكري في السودان، وخاصة منذ اندلاع الثورة في ديسمبر 2018 وحتى حرب أبريل 2023. قرار يبدو ظاهريًا عسكريًا بحتًا، لكنه يحمل في جوهره إشارات سياسية بالغة الدلالة، وربما نذر تصفية مبكرة لرجل يُعد من أعمدة المؤسسة العسكرية الذين بدأ نجمهم يهدد الطامحين داخل “المجلس السيادي” وعلى رأسهم الفريق عبد الفتاح البرهان.
كباشي.. الجنرال المربك
للفريق الكباشي سجل معقد في توازنات القوى داخل المؤسسة العسكرية، فهو رجل من الهامش – من جبال النوبة – لكنه صعد إلى الصف الأول في قيادة الجيش، ليكون أحد العقول المدبرة وراء انقلاب 25 أكتوبر 2021. وفي مراحل لاحقة، اتخذ مواقف بدا أنها تتعارض مع التيار السائد داخل قيادة الجيش.
أبرز هذه المحطات كانت توقيعه على اتفاق المنامة مع قادة الدعم السريع، في لحظة حرجة سعت فيها وساطات إقليمية ودولية لإنهاء الحرب المشتعلة بين الطرفين. لكن ما حدث لاحقًا كان صادمًا، حيث تبرأت قيادة الجيش وعلى رأسها البرهان من الاتفاق، بل ووجه الإسلاميون حملة عنيفة ضد الكباشي، بلغت حد اتهامه بالخيانة، بينما تعامل البرهان مع الأمر بفتور كشف عن خلاف مكتوم بين الطرفين.
هل يخشى البرهان من الكباشي؟
البرهان، الذي باتت خياراته تضيق كل يوم، يعلم أن الكباشي يحمل ثلاث صفات قاتلة سياسيًا:
1. الشرعية العسكرية كأحد القادة المؤسسين لما يُعرف بـ”المجلس العسكري الانتقالي”.
2. القبول الإقليمي باعتباره شخصية يُنظر إليها باعتدال نسبي، وقادرة على التفاوض.
3. القاعدة المجتمعية المرتبطة بمنطقة جبال النوبة، التي تمثل رقمًا مهمًا في معادلة الصراع الجغرافي والسياسي في السودان.
إزاحة الكباشي من بورتسودان، حيث تتخذ القيادة العسكرية مقراً لها، وإبعاده عن الخرطوم التي لا تزال رمزياً مركز السلطة، لا يمكن قراءتها إلا في سياق خشية من تصاعد نفوذه أو من محاولة تموضعه السياسي كمنافس محتمل في حال التفاوض مع الدعم السريع أو مع المدنيين في مرحلة ما بعد الحرب.
“متحرك الصياد”: مهمة عسكرية أم تذكرة ذهاب بلا عودة؟
تكليف الكباشي بقيادة “متحرك الصياد” – وهو تشكيل ميداني جديد في مناطق المواجهة – يبدو للوهلة الأولى تكريماً عسكرياً، لكنه عملياً قد يكون:
• مهمة انتحارية يتم فيها توريط الكباشي في معركة خاسرة أو يُترك فيها مكشوفاً عسكرياً.
• فرصة لتصفيته على يد عناصر يُمكن إلصاقها بالدعم السريع، مما يبرر خطوات تصعيدية لاحقة ويُظهر الجيش كضحية.
• إعادة تموضع برؤية استخباراتية للتخلص من ثقل الكباشي السياسي دون الحاجة إلى مواجهته علناً.
ويتعزز هذا الاحتمال مع تعيين وزير دفاع جديد من النوبة، في خطوة قد تُقرأ على أنها تحصين استباقي ضد رد فعل مجتمعي في حال غاب الكباشي فجأة عن المشهد.
ما الذي قد يعنيه غياب الكباشي؟
في حال تمت تصفية الكباشي – فعلياً أو سياسياً – فإن ذلك سيحمل رسائل خطيرة:
1. داخل الجيش: رسالة لكل من يفكر في الخروج عن خط البرهان أو بناء تحالفات موازية.
2. للمجتمع النوبي: تعميق الإحساس بالتهميش والاستهداف، وهو ما قد تستغله قوى سياسية أو مسلحة لاحقاً.
3. للإسلاميين: تمكين إضافي لهم داخل المؤسسة العسكرية، بعد تحجيم واحد من أبرز المنافسين.
هل تنجح “المؤامرة”؟
في مشهد بالغ التعقيد كالذي يعيشه السودان اليوم، لا يمكن استبعاد أن يُستخدم الكباشي كورقة تكتيكية في لعبة أكبر من حجمه الفردي. لكن، يبقى السؤال: هل سينجح البرهان ومن حوله في هندسة المشهد السياسي بعد الكباشي؟ أم أن غيابه – إذا حدث – سيُطلق ديناميات جديدة داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع قد تعصف بمن هندس المؤامرة ذاتها؟