د. أحمد التيجاني يكتب: المتغطي بالمصريين عُريان
المتغطي بالمصريين عُريان
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
عشتُ طوال حياتي، منذ الطفولة، وأنا أواجه وأشهد مؤامرات متواصلة من الحكومات المصرية تستهدف القضاء على أهلي — معنويًا، وماديًا، واقتصاديًا. هذه ليست مجرد مشاعر شخصية، بل تجربة عايشتها عن قرب، وتكرّست لديّ عبر السنوات. لقد كانت المؤامرة ممنهجة، تتغذّى على صمت النخبة السودانية المهين، خاصة تلك التي تنتمي إلى “”الطبقة السلطوية”” في المدن، والتي ورثت مشروع دولة ما بعد الاستقلال منذ عام 1956.
تلك الطبقة السلطوية ، التي تسكن الخرطوم وغيرها من الحواضر، لم تشعر يومًا بآلام أهل دارفور، ولا بحقيقة ما تعرض له أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق، وقبلهم الجنوبيون الذين قُطعت أوصالهم عن السودان في لحظة انفجار. وهي ذاتها التي لم تُحس يومًا بإذلال النوبيين، الذي مارسه المصريون منذ سنوات طويلة، تحت غطاء “الهوية المشتركة” و”الوادي الواحد”، في حين لم يكن هذا الوادي إلا طريقًا باتجاه واحد: السيطرة والتحقير.
استمر المصريون في النظر إلى النوبيين بازدراء، ووصفوهم “بالبرابرة “، مثلهم مثل كثير من العرب الذين استسهلوا تحقير غالبية أهل السودان،وصفوهم بأوصاف عنصرية مثل “عبيد”، “فروخ”، و”ظلام الليل”. لقد تغلغلت هذه النظرة في الوعي الجمعي العربي، وانتشرت حتى داخل بعض النخب السودانية، التي استبطنت احتقار الذات وقبلت أن تُعامل على هذا الأساس.
في المقابل، من المثير للدهشة أن تُمنح حفنة صغيرة من القوميين العرب والناصريين، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، هذا التأثير الكبير على الساحة السياسية السودانية. بينما تظل النخبة نفسها تجهل كل شيء تقريبًا عن القارة التي تنتمي إليها جغرافيًا وتاريخيًا: لا تعرف إلا النزر اليسير عن تنزانيا، أو رواندا، أو الكونغو. معرفتهم بالأوغنديين تكاد تكون سطحية، بينما يحفظون عن ظهر قلب أسماء المدن والقرى في عشرين “قطرًا عربيًا” كما لو أن هويتهم هناك، لا هنا.
نحن بحاجة إلى إعادة تعريف الانتماء. فالسودان ليس ملحقًا بمصر، ولا ظلًا باهتًا للعروبة. السودان وطن متنوع، عميق، إفريقي النسيج، عربي اللسان، نوبي الأصل، زنجي الدماء، إسلامي – ومسيحي – في وجدانه، لكنه مستقل الفكر والقرار. ولن ينهض هذا الوطن إلا عندما نكف عن التعلق بوهم “الإخوة الكبار”، ونعيد الاعتبار لأنفسنا، لتاريخنا، ولموقعنا الحقيقي في أفريقيا.
د احمد التيجاني سيد احمد
عضو تحالف تاسيس
٣٠ مايو ٢٠٢٥ روما نيروبي