عبد الرحمن الكلس يكتب: عمالة البرهان والكيزان وسرقات مصر.. هل تبقى للسودان سيادة؟

 

عمالة البرهان والكيزان وسرقات مصر.. هل تبقى للسودان سيادة؟

 

عبد الرحمن الكلس

 

ومن كان على شكٍّ بالأمس، فليتأكد اليوم أن لا غبار على حقيقة أنّ أطماع مصر في السودان ليست أمرًا طارئًا، بل هي عقيدة سياسية متجذّرة، لا تهدأ ولا تشبع. وللأسف، فإن مصالحها لا تكمن في إطفاء نيران الحرب، كما يفعل العالم، بل في تأجيجها واستمرارها؛ وهي حقيقة لا ينكرها إلا العملاء أو السذّج، ومن المؤسف أن بعضهم ينتمي إلى قوى الثورة. فكلّما اتّسع لهيب الحرب، وبقي ذلك العميل على قيادة الجيش والسلطة، وبقي الكيزان مسيطرين عليه، وعلى سلطته وجيشه، تآكلت السيادة، وسَهُل اقتناص ما تبقّى من جسد هذا الوطن المنهك!

بعد تهريب ذهب البلاد، وسرقة ماء السودان، وخيراته التي على سطح الأرض وفي باطنها بشكلٍ متواصل حتى اليوم، وقبل أن تختفي مشاهد الخراف والأغنام السودانية المعروضة في الطرقات والأسواق المصرية كأضاحٍ موسمية بلا حياء، والعجول السودانية التي أصبحت مصر تملك الملايين منها، بينما أهلها في السودان يتقلبون في الجوع والمسغبة والأوبئة. وهذه الأنعام قطعًا لم تُصدَّر عبر قنوات رسمية، ولا عادت أرباحها إلى خزانة هذا الشعب الجريح، وها نحن أمام مشهدٍ أفدح وأقبح: الأرض نفسها تُباع.

بالنمرة: م س/ أع/ 25/ 4/21، وتاريخ 7 أبريل 2025، أصدرت الأمانة العامة لما يُسمّى مجلس السيادة أمرًا لـ (الكوز) الذي عيّنته سلطة بورتسودان واليًا على ولاية نهر النيل، موضوعه: بيع أراضٍ زراعية بولاية نهر النيل لجمهورية مصر العربية، ومنصوص عليه أن (رئيس مجلس السيادة الانتقالي) وجّه ببيع أراضٍ زراعية بولاية نهر النيل بمساحة (مليون) فدان لجمهورية مصر العربية للاستثمار الزراعي، على أن يكون البيع كإيجار لتلك الأراضي لمدة (99) سنةً للحكومة المصرية!

مقابل ماذا، كل هذا؟ وهل تمّت استشارة أصحاب المصلحة ومُلّاك الأراضي؟ وهل من حق مجلس غير شرعي، وقائد جيش انقلابي يصف نفسه زورًا بأنه (رئيس مجلس سيادة انتقالي)، أن يتصرّف في أراضي الدولة والمواطنين ببيعها لجهات أجنبية ولمدة (قرن كامل)؟ وكيف تتم صفقة كهذه بهذه السرية، حيث إن الخطاب المذكور أعلاه مكتوب عليه (سِرّي وشخصي)!

في الحقيقة، إن العميل عبد الفتاح البرهان لا يبيع أراضي السودان في السر فقط، بل يهديها مجانًا لمشغّليه المصريين. فما تسرّب من تفاصيل الصفقة السرية يُظهر أن حكومة مصر لن تدفع جنيهًا واحدًا لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، بل تأتي هذه الصفقة اللعينة مقابل قذائف، ومتفجرات، وأسلحة مدمّرة، تُقدَّم للبرهان وزمرته، لتُسهم في إطالة أمد الحريق والدمار، فيتسنى لمصر المزيد من السرقة وتراكم النفوذ.

إنها حرب ليس لأي دولة في هذا العالم مصلحة فيها إلا مصر، ولم تجنِ منها دولة في العالم كله مثلما جَنَتْه هي؛ إذ وجدت فيها فرصة نادرة لتوسيع النفوذ، وسرقة الموارد، واستنزاف السودان أرضًا وشعبًا، تحت ستار الأخوّة الزائفة، والجوار غير الحسن، والاستقرار المُفترى عليه!

هذه لم تكن الصفقة الأولى، ولا الأكثر أهمية، بين البرهان والحكومة المصرية، فهناك ما يُشيب له الولدان من نهبٍ ممنهجٍ ومستمر لموارد البلاد من قِبَل (الشقيقة) المتربصة بالسودان وأرضه وشعبه، عبر عميلها قائد الجيش، الذي يمكنه أن يفعل أي شيء في سبيل أن يحكم البلاد، حتى لو باع أراضي السودان كلها، وقتل شعبه فردًا فردًا. فالرجل مصاب بهوسٍ وجنونٍ بالسلطة، فيما يقف خلفه الكيزان من أزلام وفلول النظام البائد، يؤازرونه في فساده، ويحثّونه عليه.

وكل هذا النهب المنظَّم يتم عبر شركة (زادنا)، التي تعمل كواجهة للاحتلال المصري للأراضي السودانية، وهي شركة يسيطر عليها البرهان والكيزان، وتُستخدم كآلية وطنية لإخفاء الاستعمار الأجنبي تحت جلبابها المهترئ.

هذه ليست صفقة، بل طعنة في خاصرة الوطن. وليست مصلحة قومية، بل رشى مقنّعة، وخيانة مغلّفة، واتفاقات تُعقد في العتمة، تُباع فيها الأرض، ويُستخدم فيها السلاح لا للدفاع عن الوطن، بل لتمزيقه وتحويله إلى غنيمةٍ مستباحة لكلّ من باع، وتواطأ، وتقدّم بثمن.

البرهان، ومن خلفه الكيزان، لم يبيعوا أرضًا فحسب، بل خلعوا عن الوطن رمزيته وكرامته وسيادته، وفتحوا الأبواب على مصاريعها لكل طامع، ولكل من يتربّص بجسدٍ ينهكه النزف، ولا يجد من يذود عنه.

أما ما كان بين السودان ومصر من وشائج الجوار، وعُرى التاريخ، فقد طُمِس بدورها في الانقلاب على الشعب السوداني، صاحب السيادة، ودورها في إشعال الحرب، واشتراكها في تدمير البلاد، طُمِس اليوم على ورقٍ رسمي، ومُهر بختم السيادة، ومُسِح بمداد الخيانة من سجلات الوطن.

فهل تبقّت بعد ذلك سيادة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.