زهير عثمان حمد يكتب: اضربه واعتذر له … عندما تتحول الفظاعة إلى كوميديا سوداء

 

اضربه واعتذر له … عندما تتحول الفظاعة إلى كوميديا سوداء

 

زهير عثمان حمد

 

 

في مسرحية لا تكتبها إلا عبقرية السخرية السودانية، تطل علينا حركة العدل والمساواة بمشهد يُخلد في سجل “اللامعقول السياسي” : اعتذار رسمي بإطار مذهّب وأحبار تتوهج كأختام الملوك، موجهٌ إلى “البطل” أبو عاقلة كيكل، قائد مليشيا “درع الشمال”، الذي حول ولاية الجزيرة إلى ساحةٍ لتجاربه في فنون الإبادة. وكأنهم يقولون : “عذرًا سيدي، ربما بالغنا في انتقاد طريقة ذبحك للمدنيين … لقد أسأنا الأدب!”

 

من تراجيديا الدم إلى كوميديا الاعتذارات : الضحك على الجثث!

الاعتذار هنا ليس مجرد كلمات، بل لوحة فنية في تزيين الوحشية. فبدلًا من محاكمة مجرم سرق أرضًا وأحرق أطفالًا، ننشغل بتبادل المكاتيب الدبلوماسية بين زملاء السلاح : “عذرًا، ربما بالغنا قليلًا في حجم القصف بينما كنت تُهجّر عائلات!”… هكذا تُختزل المذابح في سوء تفاهم عابر بين عصابتين، وكأن الجثث المكدسة مجرد ديكور لاجتماع ودّي!

 

مدرسة السودان في “أخلاقيات الحرب”: اضرب ثم اعتذر … ثم كرر!

لقد برع ساسة الحرب عندنا في اختراع قاموسٍ أخلاقي مقلوب : الدم يصبح “زئير بطولة”، والاعتذار للمجرمين “ترفعًا سياسيًا”، والشعب بين خيارين : الصمت على الذل أو الموت بالرصاص. أما الضحايا؟ فهم مجرد “تفاصيل صغيرة” في ملاحم الزيف. تُرى، هل ننتظر يومًا اعتذارًا لسماء السودان لأن دخان الحرائق شوّه زرقتها؟

 

الاعتذار ككليشيه سياسي : مَن قال إن المجرم يحتاج إلى غفران؟

المفارقة أن أبو عاقلة لم يطلب اعتذارًا أصلًا؛ فالمجرم الذي يغتال بدم بارد لا ينتظر سماع كلمة “آسف”. ولكن الاعتذارات الوهمية باتت طقسًا ثابتًا : محاولة بائسة لتلميع الوجوه قبل لقاءات التمويل الدولي، أو استصدار “شهادات حسن سيرة” من ضحايا بلا صوت. كأنهم يهمسون للعالم: “انظروا إلينا … متحضرون لدرجة أننا نعتذر حتى لجلادينا!”.

 

الضحك الأصفر : حين يُذل الشعب مرتين!

كل كلمة اعتذار وردت في بيان العدل والمساواة كانت صفعة جديدة على وجوه الضحايا. الأولى حين سحقوا تحت أحذية المليشيات، والثانية حين طُلب منهم ابتلاع أكذوبة المصالحة. ومع ذلك، يعرف الشعب السوداني الذي حوّل الألم إلى مدرسة للصمود، أن كل اعتذار زائف هو وقودٌ سيتوهج في محرقة المحاسبة القادمة.

 

نبوءة السخرية الأخيرة : العدالة لا تمر عبر “الواتساب”!

اليوم، يملأ السفهاء الفضاء بضحكاتهم النشاز، وغدًا سيكتشفون أن كل اعتذار زائف كان حفرة يحفرونها لأنفسهم. فالشعب الذي رقص على أنقاض الديكتاتوريات يعرف أن “لعبة الاعتذارات” ستنتهي عند أول محكمة شعبية. وحين تشرق الشمس على الخراب، لن تحميهم الأختام الذهبية، ولن تغنيهم الأعذار.

القادم ليس اعتذارًا آخر، بل زمنٌ تُخلع فيه الأقنعة، وتُدفن الأكاذيب مع من صاغوها.

فالضحك الأخير … سيكون على أطلال المجرمين.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.