غاز خطير في الخرطوم وسلاح كيميائي في دارفور: إلى أين تتجه حرب السودان؟
🔺مقدمة:
دخلت الحرب في السودان بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) مرحلة أشد خطورة، مع ورود تقارير تشير إلى احتمال استخدام الجيش أسلحة كيميائية في الصراع المستمر منذ 15 أبريل 2023. تأتي هذه التطورات في سياق تصاعد الأزمة الإنسانية، حيث سُجلت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين ارتكبها الجيش في ولاية الجزيرة، ووصفت بأنها الأسوأ ضمن سلسلة الانتهاكات المتبادلة بين الطرفين. هذه الممارسات تفاقم معاناة المدنيين وتثير قلقًا دوليًا متزايدًا بشأن مدى التزام طرفي النزاع بالقانون الدولي الإنساني ومبادئ حماية حقوق الإنسان.
🔺التقارير حول استخدام الأسلحة الكيميائية:
في يوم الخميس 16 يناير، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا استنادًا إلى معلومات قدمها أربعة مسؤولين أمريكيين كبار لم تُسَمِّهم الصحيفة، حيث أفادوا بأن الجيش السوداني “استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع”. ووفقًا للصحيفة، فقد استُخدمت هذه الأسلحة “مؤخرًا في مناطق نائية في السودان”، حيث استهدفت عناصر من قوات الدعم السريع. كما أشار المسؤولون الأمريكيون الذين تحدثوا للصحيفة إلى “قلقهم” من إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية قريبًا في المناطق المكتظة بالسكان في العاصمة الخرطوم.
وقال اثنان من المسؤولين الأمريكيين إن الأسلحة الكيميائية التي استخدمها الجيش السوداني تبدو أنها غاز الكلور.
من الجدير بالذكر أنه رغم استخدام الكلور بشكل آمن في الحياة اليومية (مثل تنقية المياه)، إلا أنه عند استخدامه كسلاح كيميائي يصبح مادة سامة وخطيرة. يؤدي استنشاقه إلى تلف أنسجة الجهاز التنفسي، كما يسبب تجمع السوائل في الرئتين، مما يمنع تبادل الأكسجين بشكل طبيعي، ويؤدي في النهاية إلى الوفاة بالاختناق.
وأضاف المسؤولان، وفقًا للصحيفة، أن استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية كان مقتصرًا على مجموعة ضيقة داخل الجيش، إلا أنه كان من الواضح أن الجنرال البرهان قد أذن باستخدامها.
🔺تساؤلات حول استخدام أسلحة كيميائية في الخرطوم:
بعد نشر تقرير عن استخدام الجيش لأسلحة كيميائية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من العاصمة الخرطوم تعود بحسب مصادر للربع الثاني من العام الماضي، تُظهر عناصر من الجيش يرتدون أقنعة واقية لم تكن مستخدمة من قبل في الحرب، وهم داخل غرفة في بناية عالية يصوبون بنادقهم عبر نافذتها بعد حشوها بمقذوفات كبسولية كبيرة تُخلِّف دخانًا كثيفًا عند إطلاقها. وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي حول احتمال أنها أسلحة كيميائية.
خبير سوداني متقاعد مختص في الأسلحة، توافقت شهادته مع شهادة دولية غير رسمية، صرّح قائلًا: “إنه سلاح غير كيميائي وفي ذات الوقت يمكن اعتباره سلاحاً كيميائيًا”، موضحًا أن المقذوف هو غاز عسكري مسيل للدموع (Military Grade Tear Gas). وأشار إلى أن هذا النوع من الغاز أكثر قوة بأضعاف الغاز المستخدم من قِبل الشرطة في حالات الشغب في بعض البلدان، إذ يحتوي على مواد كيميائية نشطة بتركيز أعلى.
وأكد أن استخدام هذا النوع من الغاز يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، لا سيما إذا تم إطلاقه في أماكن مغلقة أو بالقرب من تجمعات تضم مدنيين من الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والمرضى، مما قد يؤدي إلى وفاتهم.
وأضاف أن هذا الغاز العسكري غير مصرح باستخدامه في العديد من الحالات، حيث يمكن إساءة استخدامه بطرق تُعد انتهاكًا للقوانين الدولية، خاصة بموجب اتفاقيات جنيف التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية في الحروب
🔺شهادات ميدانية عن قصف جوي يُعتقد أنه تضمن استخدام أسلحة كيميائية في دارفور:
بعد جهود كبيرة بسبب انقطاع الكهرباء وصعوبة الاتصالات في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور — وهي إحدى المدينتين، بجانب الكومة في ولاية شمال دارفور، حيث يُشتبه أن الجيش السوداني استخدم فيهما أسلحة كيميائية — تمكنّا من التواصل مع أعضاء غرفة الطوارئ في المدينة. تُعدّ هذه المبادرة تطوعًا من قِبل العاملين في القطاع الصحي لتقديم المساعدة للجرحى والمصابين.
أحد المتطوعين، وهو طالب في السنة الثانية بكلية المختبرات الطبية قبل اندلاع الحرب، تحدث إلينا عبر تطبيق واتساب باستخدام خدمة “ستارلينك”. امتنعنا عن الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. وذكر: “في أواخر أكتوبر، استقبلنا ضحايا من عدة أسر عقب قصف جوي استهدف منازلهم. كانوا يعانون من تشنجات وصعوبة شديدة في التنفس. وبسبب عدم وجود أجهزة تنفس، توفي 11 شخصًا، بينهم 5 أطفال و3 نساء.”
وأشار متطوع آخر، وهو طالب في السنة الرابعة بكلية الطب، إلى سماعه من زملاء له في مدينة الكومة عن حوادث مشابهة، حيث توفي العديد من الأشخاص نتيجة الاختناق بعد هجمات جوية وقعت في ديسمبر.
واتفق المتطوعان على أن الوفيات في المنطقتين تزامنت مع قصف الطيران للأحياء السكنية. وأضاف طالب الطب: “لا يمكن تحديد الأسباب بدقة نظرًا لغياب المعدات التشخيصية والتوقف شبه الكامل للمستشفيات بسبب تعرضها للقصف.”
🔺مع تحول الحرب في السودان إلى منحى أكثر خطورة، تطالب القوى الديمقراطية السودانية بضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل عاجل للكشف عن الانتهاكات وضمان محاسبة المسؤولين عنها. من الضروري أن يتم الضغط دوليًا من أجل وقف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، بغية ضمان استقرار البلاد وحماية المدنيين.
إذا تأكد استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الجرائم ضد المدنيين، فإنها ستضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تتطلب تدخلاً دوليًا عاجلًا.
ينبغي على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات فعالة لحماية الأرواح، وضمان محاسبة الجناة، والعمل على توفير المساعدة الإنسانية اللازمة للمتضررين.
اخبار السودان