متاهة “الكباشى” و”الحلو”

ابوعبيدة برغوث

كانت معاناة جنوب كردفان والنيل الأزرق وجنوب السودان  طيلة سنوات الحرب الأربعون كبيرة فقد الناس فيها ألآف من الأرواح وآخرين جرحى فقدوا الأمل فى الحياة والملايين من المشردين ونشأت ثلاثة أجيال خارج حق التعليم والصحة والحياة الكريمة.

 ورغم كل هذا الألم ظل الناس هناك يتمسكون بعدالة القضية وحقهم فى المساواة مع الآخرين وملتفين حول قادة كانوا يعتقدون أنهم  أكثر حرصا وأمانة لنضالات الأباء المؤسسين ولكن إكتشفوا أن هؤلاء القادة ليس سوى أناس أصابهم العياء والتعب الذى رافق رحلة نضالهم الطويل فسقطوا على جنبات الطريق وهم على مقربة من محطة الوصول التى لاحت معالمها عند بداية حرب التحرير التى أشعلتها الجماعات الإسلامية المتطرفة فى 15 أبريل  كان الناس يتوقعون أن تنخرط حركات التحرر فى مسار وأحد يستطيعون من خلاله أن يرسموا مستقبل هذا البلد الكبير ويؤسسوا مع الآخرين للحكم الرشيد وبناء السودان الجديد الذي يتساوي فيه السودانين ولكن تفاجأ الناس أن قادة الحركات المسلحة الذين يتحدثون عن المساواة والتحرر لم يكونوا قادة حقيقين حتى يترك لهم الناس رحلة البحث عن مستقبلهم فهم سقطوا فى أول إمتحان للأخلاق فى تحالفات الحد الأدنى وهم يهرولون لحماية جلادهم من السقوط.

كان حميدتى وقتها يضغط على برهان من أجل إكمال إتفاق السلام مع الحركات وكانت الأحزاب السياسية المتمثلة فى قوى الحرية والتغير تراوغ وجزء منها يرفض وأجهزة إعلامهم تبث سمومها عبر خطاب الكراهية ورفض الآخرين قاد قائد الدعم السريع مفاوضات السلام وأنجز إتفاقية سلام جوبا والتي تطلع السودانين من خلالها الى بناء وطن يسع الجميع

ولكن إكتشف هو والناس أن أغلب الذين جاء بهم السلام لم يكونوا يرغبون أن يعيش السودانيين متساويين ولا يريدون أن يروا شعوبهم أحرارا يتساوى أبنائهم مع أبناء النخب فى الحقوق والواجبات ،  بل إكتشف أن هؤلاء هم الذين يقفون سدا أمام مشروع المساواة وتطلعات الجماهير.

أول ما إندلعت الحرب خرج مالك عقار وإنحاز للجيش ودفع بقواته إلى الخرطوم فى سابقة مفضوحه لحماية الجلاد ، عقار الذى حوصر فى الخرطوم وتحت دوي المدافع تقدم  جنود الدعم السريع لإخلائه من منزلـه، وهى عملية تمت بنجاح سقط خلالها عددا من جنود الدعم السريع ولكن واصل الآخرين لإخلاء الرجل ولكن ما أن تم إخلاؤه عض الرجل اليد التى أنقذت حياته ، كان عقار يفكر فقط فى جنى المال وليس شيئا آخر فباع وخسر ما باعه فهو ظل طيلة فترة الإتفاقية يقبض المال المخصص تنفيذ اتفاق

والأغرب فى الأمر أن عقار لم يصرف هذه الأموال التى ظل يكتنزها لأتباعه ولا حتى المقربين منه بل ظل يمارس على كل من يحيط به سياسة التجويع وهو معروف بالبخل وعدم المروءة.

ولكن لم أكن أتوقع أن يذهب عبدالعزيز الحلو فى ذات الإتجاه الذى ذهب اليه عقار ويضع يده مع الجلاد وهذه قصة أخرى.

وهل قدم كباشى للحلو عرض الحكم الذاتى لجنوب كردفان مقابل أن تحصل شركات أجنبية على ذهب جنوب كردفان لتمويل الحرب بعد أن فشلت محاولة حصولها على الذهب من جزيرة صاى بفضل فطنة الناس هناك وتصديهم لتلك المحاولة فى تخريب تلك الجزيرة الأثرية ونهبها..؟؟؟  لنفترض أن ذلك صحيحا ولكن يبقى السؤال هل كباشى لديه المقدرة علي الوفاء بإلتزماته مع الآخرين أم أنه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق ؟؟؟ أنا لا أعتقد ذلك  فهو تارة تنظر له النخب الحاكمة والجماعات الإسلامية المتطرفة بأنه رجل وطني ينفذ مخططاتهم وتارة بانه خائن عندما يذهب عكس ما يريدون والكل شاهد على حملة التخوين التى إستهدفت الرجل عقب إتفاق المنامة مع قائد ثانى قوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو ،،، وأعتقد أنه من خلال عرض الحكم الذاتى أن يحاول كباشى تنفيذ المطلوب منه ولكن حكومة الإسلاميين ستكون غير معنية بتنفيذ الإتفاق خاصة وأن ذاكرة الناس فى جنوب كردفان والنيل الأزرق تحتفظ جيداً بوقائع رفض المؤتمر الوطنى إلى إتفاق المشورة الشعبية للمنطقتين وفق إتفاقية السلام الشامل الموقعة فى نيفاشا فى 2005 بين حكومة البشير والحركة الشعبية وبسبب المشورة الشعبية أشعلت الحكومة وقتها الحرب مجددا فى المنطقتين عشية إعلان جنوب السودان الإنفصال لذا فى إعتقادى أن التفاهم الذى تم بين كباشى والحلو تحت لافته تسهيل دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر جنوب السودان المراد منه دخل جنوب كردفان إلى هاوية  الصراعات القبلية وأوكلت مهمة تنفيذ ذلك المخطط إلى الجيش الشعبى وهذا أمر مؤسف لأن مسألة دخول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان تبدو غير ممكنة في غياب الطرف الثالث الذى يسيطر على مداخل ومخارج جنوب كردفان الذى يتمثل فى قوات الدعم السريع ، وتبقى هى محاول لتأجيج الصراع القبلى فى المنطقة مثلها مثل محاولة الشيخ موسى هلال التى أشعلها، ولكن وعى الشباب لذلك المخطط وأعلنوا إنحيازهم لمشروع التحرر .

وكباشى وإبراهيم جابر لم ولن تثق فيهم النخب والجماعات المتطرفة التى تسيطر على القرار فى بورتسودان لذلك هم يجتهدون لإثبات العكس حتى ولو من خلال إشعال الحروب القبلية فى مناطقهم.

إن قضية المساعدات الانسانية لم تحتاج الى كل  هذا  بل كان للحركة ان تكتفى الشعبية باصدار بيان توكد فيه استعدادها لتقديم التسهيلات اللازمة ولكن ان المتاهة ظلت  حاضرة فى اللقاء .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.