مجاهد بشرى يكتب: الجزيرة – السودان من منبر إعلامي إلى بوق استخباراتي للكيزان
لم يعد خافياً على أحد أن صفحة الجزيرة – السودان على فيسبوك قد تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى منصة دعائية تابعة للحركة الإسلامية في السودان، تبث خطابهم وتتبنى سرديتهم بلا تحفظ. فمنذ بدايات الفترة الانتقالية، كرّست هذه الصفحة نشاطها لإشعال الفتن وتأجيج الصراعات بين المدنيين والعسكريين، تحت لافتة “الرأي والرأي الآخر”، بينما كانت في الحقيقة تؤدي دوراً واضحاً في توسيع هوة الخلاف الوطني وتعطيل أي مسار نحو الاستقرار.
غير أن ما حدث مؤخراً تجاوز حدود التغطية المنحازة أو التلاعب بالمصطلحات، إلى مستوى أكثر خطورة، حين اعتمدت الجزيرة – السودان على خبر مفبرك نشرته (صحفية معروفة بانتمائها للمؤتمر الشعبي والاسلاميين تعمل ضمن كتّاب صحيفة سودان تربيون)، لتروج ادعاءً كاذباً بشأن انسحاب بعض قادة “تحالف تأسيس” من صفوفه، في محاولة رخيصة لضرب مصداقية التحالف وتمزيق صفه من الداخل.
ما يثير السخرية أن الخبر المزعوم تجاهل معطيات معروفة لدى الجميع. فالدكتور الهادي إدريس كان من أوائل الرافضين لأي صفقة مع انقلابيي بورتسودان، ورفض حصة عُرضت عليه مقابل القتال في صفوف الجيش الكيزاني. بل كان أول من استهدفته غارات الطيران على منزله مع اندلاع الحرب، ولو كان يسعى إلى منصب لذهب إلى بورتسودان، حيث كان سيفرض نفسه بجدارة تفوق بكثير المزور كامل إدريس.
أما الأستاذ الطاهر حجر، فقد أعلن بوضوح أن موقفه من الانضمام لتحالف “تأسيس” نابع من إيمان بمشروع نضالي، اختار أن يكون جزءاً من دفع ثمنه، في مقابل الحفاظ على موقف وطني مبدئي لا يساوم.
وبالنسبة للحركة الشعبية، فكان ردها مباشراً: نحن في تحالف مع من رفضوا اللهاث وراء المناصب والمكاسب المؤقتة، وسنستمر في هذا الطريق حتى تشكيل حكومة تعبر عن إرادة الشعب السوداني. هذه القوة المعنوية هي التي أرعبت تحالف بورتسودان ودفعته إلى إطلاق حملات تضليل متكررة.
من الواضح أن “تحالف تأسيس” بات يشكل تهديداً حقيقياً لتحالف بورتسودان الهش، خاصة بعد اقترابه من إعلان حكومة تسيطر فعلياً على أجزاء واسعة من السودان، في مقابل تفكك السلطة في بورتسودان وافتقادها للشرعية السياسية والقاعدة الشعبية. وحتى المليشيات والمرتزقة الذين يُزجّ بهم بديلاً عن الجيش، فقدوا كل مواقعهم تقريباً، ولم يتبقَ لهم سوى الفاشر، وهم يُجبرون على القتال حتى الرمق الأخير، خشية الطرد من الوسط والشمال والشرق، حيث ارتفعت الأصوات للمطالبة بذلك.
الخطر وجودي، والخناق يضيق. وما لم يُغيّر تحالف بورتسودان استراتيجيته، فإن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً غير مسبوق — عسكرياً وسياسياً — قد يُطيح بكل ما تبقى من مشروعهم.
إن الحرب في السودان اليوم لم تعد بين جيش ودعم سريع، بل أصبحت بين مشروعين: مشروع العودة بالبلاد إلى قبضة الإسلاميين ومؤسسات الدولة الأمنية الفاسدة، ومشروع يسعى لبناء سودان جديد يعبر عن تطلعات الشعب ويحاسب المجرمين. وفي هذا الصراع، فإن إعلام الخراب، من أمثال الجزيرة – السودان، ليس سوى سلاح آخر في يد الطغاة. لكن الحقيقة تظل أقوى، ومشروع عودة الكيزان سينهزم في النهاية إن شاء الله.