عبدالرحمن محمـــد فضــل يكتب: مصطلح “اولاد الضيف”.. قنبلة الجهوية التي تهدد وحدة الوطن
مصطلح “اولاد الضيف”.. قنبلة الجهوية التي تهدد وحدة الوطن
ظِلَال القمــــــر
عبدالرحمن محمـــد فضــل
في زمنٍ تتعاظم فيه التحديات الوطنية، وتزداد الشروخ في جسد المجتمع، تبرز مصطلحات تُستخدم على ألسنة البعض، تحمل بين طياتها بذور الفتنة والانقسام، وتكشف عن خللٍ عميق في الوعي الجمعي. من بين هذه المصطلحات، يظهر تعبير “أولاد الضيف” الذي أخذ يتردد كثيرًا في الخطاب المجتمعي، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في سياق مشحون بالنزاع والصراع السياسي والعسكري، هذا المصطلح ليس بريئًا، بل هو تعبير يحمل في جوهره دلالة عنصرية تمييزية، تُستخدم لنزع الانتماء الوطني الكامل عن فئة من السودانيين، وكأنهم وافدون لا يملكون شرعية المكان ولا حق القيادة أو المشاركة. هو توصيف ظاهره الوصف، وباطنه النفي والإقصاء والاحتقار، وينطوي على تهديد مباشر للنسيج الوطني المتعدد الذي بُني عليه السودان، لقد حذّر عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين كباشي، من خطابات الكراهية التي أججتها الحرب، مؤكداً أن السودان دولة واحدة وأن ما حدث من شروخ اجتماعية بحاجة لمعالجات واعية. وهذا التحذير يجب أن يُؤخذ على محمل الجد، لأن استمرار هذا النوع من الخطاب يهدد بانهيار مشروع الدولة، ويحول الخلافات السياسية إلى صراعات وجودية يصعب رأب صدعها، وصف فئات من المواطنين بأنهم “أولاد الضيف” لا يمكن اعتباره مجرد انزلاق لغوي، بل هو موقف أخلاقي وفكري مشوه، يعبّر عن نظرة إقصائية تخالف جوهر المواطنة التي تُبنى على المساواة والاحترام المتبادل، لا على الامتياز الجغرافي أو العرقي. إن مثل هذه العبارات تزرع الكراهية، وتغذي التمييز، وتخلق مناخاً قابلاً للاحتقان والعنف والانقسام، وهو ذات المناخ الذي قاد سابقًا إلى انفصال الجنوب، وفجّر أزمات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، السودان ليس ملكًا جغرافيًا لمجموعة دون أخرى، بل هو وطن تشكل عبر تاريخه الطويل من تنوع شعوبه وثقافاته وأقاليمه. دارفور وكردفان، على سبيل المثال، ليستا هامشًا ولا طارئتين، بل كانتا جزءًا أصيلاً من نضال وبناء هذا الوطن، وقدمتا رموزًا في السياسة، والجندية، والتعليم، والثقافة، والإدارة، أسهموا في بناء السودان الحديث، إن استمرار استخدام مصطلحات عنصرية، سواء في الخطاب الإعلامي أو السياسي أو المجتمعي، يهدد وحدة السودان ويضع مستقبل أجياله على المحك. لا يمكن بناء دولة عادلة ومتماسكة ما لم نؤسس خطابًا وطنيًا يرتكز على المواطنة المتساوية، ويعترف بالحقوق والواجبات المشتركة، ويرفض كل أشكال الوصم والإقصاء.
فالوطن لا يُدار بالعنصرية، ولا يُبنى على مفاهيم من مثل “الأصلي” و”الضيف”، بل على قيم العدالة والمساواة والشراكة، وما جرى من تجاوزات أو جرائم خلال الحرب يجب أن يُعالج بالعدالة لا بالاستهداف الجهوي أو التعميم الظالم، فالكثير من أبناء الأقاليم الغربية يقاتلون كذلك في صفوف القوات النظامية، وهم شركاء في الدفاع عن الوطن.
ختامًا، لا بد من مراجعة جادة للخطاب العام، عبر الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية والمدنية، والعمل على تجريم خطاب الكراهية قانونيًا وأخلاقيًا، والتأسيس لحوار وطني يعيد بناء الثقة بين مكونات الوطن. لأن الأوطان تُصان بالوعي، وتنهض بالعدل، وتسقط حين تُختطف بيد الجهوية والتمييز.