مجاهد بشرى يكتب .. ترامب يضع قواعد اللعبة : البرهان يراهن على الخطأ ومصر تقوده إلى المستنقع
ترامب يضع قواعد اللعبة : البرهان يراهن على الخطأ ومصر تقوده إلى المستنقع
في خطاب هو الأطول في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاب حالة الاتحاد التاريخي، الذي لم يكن مجرد حديث عابر، بل كان إعلانًا صريحًا لقواعد السياسة الأمريكية القادمة: من لا ينصاع، يُسحق. كانت كلماته الأولى واضحة تمامًا: “لقد عادت أمريكا”، وهو تصريح يحمل أكثر من مجرد دلالة خطابية، بل هو رؤية استراتيجية قائمة على فرض الإرادة الأمريكية بأي وسيلة ممكنة.
ترامب لم يخفِ نواياه، بل قالها صراحة: سنعيد قناة بنما إلى سيطرتنا، وسنأخذ غرينلاند بأي طريقة. هذه ليست مجرد تصريحات شعبوية، بل رسائل موجهة إلى العالم، بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع من يقف في طريقها، وأنها مستعدة لاستخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق أهدافها.
البرهان في مواجهة غير متكافئة: هل يعرف ماذا يفعل؟
في هذا السياق، يبدو أن عبد الفتاح البرهان اختار المسار الأكثر تهورًا، بالدخول في مواجهة مع محور تقوده الولايات المتحدة نفسها. بعد أن كان السودان جزءًا من الاتفاقيات الإبراهيمية، وبعد أن حصل على امتيازات دولية نتيجة لذلك، قرر البرهان تغيير موقفه، متوهّمًا أنه قادر على اللعب في ساحة الكبار، دون أن يدرك أن واشنطن اليوم ليست واشنطن العام الماضي التي كانت تستجديه الجلوس للتفاوض، الآن هنالك إدارة قوية و لا تعرف كلمة لا عندما تأمر.
البرهان لا يواجه مجرد حكومة أمريكية، بل يواجه إستراتيجية أمريكية قائمة على الهيمنة المباشرة، وعلى مبدأ “افعل ما نريد، أو واجه العواقب”. إن إدارته لهذا الملف بطريقة ارتجالية ستكون لها نتائج كارثية، ليس فقط على مستقبله السياسي، بل على السودان كدولة.
مصر.. تدفع البرهان نحو الهاوية لتحقيق مكاسبها الخاصة
ولكن الخطأ الأكبر الذي يرتكبه البرهان ليس فقط مواجهة واشنطن و حلفائها في المنطقة، بل السماح لمصر بسحبه إلى معركة لا ناقة له فيها ولا جمل. إن القاهرة، التي لم تبادر بأي تحرك جاد لدعم السودان في أزمته الداخلية سوى بقصف المواطنين و تدمير البنية التحتية، لم تُطالب بعقد قمة عربية واحدة لإنقاذ السودان رغم مرور عامين على الحرب، تحاول الآن أن تزج بالسودان في صراع مع إثيوبيا، و تدفعه لتبني موقفا معادياً لتل ابيب بينما تستغل موارده وثرواته لصالحها.
السؤال الذي يجب أن يطرحه أي سوداني عاقل: لماذا تدفعنا مصر إلى مواجهة مع إثيوبيا في ملف المياه، بينما هي المستفيد الوحيد من الذهب المهرب والثروات التي تتدفق إليها من السودان؟
إن الواقع يؤكد أن القاهرة تستفيد من ضعف السودان، ولا ترغب في أن يصبح دولة قوية قادرة على اتخاذ قراراتها باستقلالية. وكلما طال أمد الأزمة السودانية، كلما استمرت مصر في استغلال البرهان للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية دون أن تقدم له أي شيء في المقابل.
البرهان يقوي خصومه دون أن يدري
لكن الخطورة الحقيقية في موقف البرهان أنه لا يُضعف نفسه فقط، بل يمنح خصومه السياسيين أفضلية استراتيجية كبيرة. بينما هو يضع السودان في مواجهة مع محور واشنطن وتل أبيب، هناك قوى سياسية أخرى تتقارب مع هذا المحور وتستعد للاستفادة من أخطائه.
تحالف السودان التأسيسي، الذي أعلن بشكل واضح أنه سيقيم علاقات مع كل الدول بما يخدم مصلحة السودان، لا يعاني من عقدة العداء مع تل أبيب، ولا يتبنى سياسة المواجهة غير المدروسة التي يتبعها البرهان. بالعكس، هذا التحالف يفهم كيف تُدار السياسة الدولية، ويقدم رؤية أكثر براغماتية وواقعية للعلاقات الخارجية، تضمن للسودان الاعتراف الدولي والدعم السياسي والاقتصادي.
ما يفعله البرهان الآن هو تعزيز موقع منافسيه السياسيين دون أن يدرك ذلك. فبينما يضع نفسه في مواجهة غير متكافئة مع القوى الكبرى، يمنح خصومه فرصة لكسب الشرعية الدولية والتواصل مع الفاعلين الدوليين بمرونة أكبر. وهذا يعني ببساطة أن تحالف السودان التأسيسي يزداد قوة على المستوى الدولي، بينما يتجه البرهان نحو العزلة والانهيار السياسي.
المعادلة واضحة: الجميع يدفع البرهان نحو الفخ، وهو يسير إليه بإرادته
البرهان لا يدرك أنه ليس لاعبًا في هذا الصراع، بل مجرد أداة يتم تحريكها لصالح الآخرين. مصر لن تخوض حربًا من أجله، ولن تدعمه في مواجهة المجتمع الدولي، لكنها في المقابل تريده أن يتبنى مواقف تخدم مصالحها، بينما هو الخاسر الوحيد في النهاية.
أما واشنطن، فهي تراقب بصمت، لكنها لن تصمت طويلاً. الرسائل التي وجهها ترامب للعالم واضحة: من لا ينصاع، سيتم سحقه. وعندما يأتي الدور على السودان، لن تجد مصر هناك للدفاع عن البرهان، ولن يتدخل أحد لإنقاذه، لأنه ببساطة يضع نفسه في موقع العداء للقوى الكبرى، دون أن يكون لديه أوراق قوة حقيقية.
النتيجة الحتمية: السودان في خطر، والبرهان يسير نحو النهاية
لا يمكن النظر إلى تحركات البرهان بمعزل عن الواقع الدولي. مصر تستخدمه لخدمة أجندتها، بينما الولايات المتحدة لن تتسامح مع تقلباته ومواقفه المتخبطة. والنتيجة؟ السودان في خطر حقيقي، والبرهان يسير بسرعة نحو الهاوية دون أن يدرك أن الجميع حوله يتخلون عنه واحدًا تلو الآخر.
إن الرسالة التي يجب أن يستوعبها البرهان واضحة:
مصر لن تنقذك، وواشنطن لن تطلب منك او تترجاك، بل ستأمرك ولن تملك سوى الاجابة كما فعلت كندا و اوكرانيا و المكسيك، وخصومك السياسيون يزدادون قوة بينما أنت تضعف نفسك بقرارات خاطئة. ونهاية هذا الطريق ستكون قاسية وسريعة.