إضراب ومعاناة.. معلمون يعيشون على الـ(قرقوش) بسبب حرب “الكرامة”
بعد مرور 20 شهرا على الحرب المدمرة في السودان؛ تجلس آمال وإقبال وغيرهن من المعلمات التي كان يشار اليهم بالبنان في إحدى مراكز الايواء بولايات الشرق هن وأبنائهن بعد أن هُجروا من منازلهم في الخرطوم، والآن يكابدن أوضاعا معيشية سيئة لعدم صرف أجورهن لأكثر من 20 شهرا.
وفي تدهور مؤسف لحال بعض المعلمين قالت المعلمة آمال لـ”مداميك”، إن البعض اضطر الى اللجوء للمخابز لجمع الخبز البايت أو الجاف (القرقوش) لإطعام أبنائهم الصغار لسد رمق الجوع الذي ارهقهم وصاروا يعانون من سوء التغذية، وصارت أجسادهم النحيلة عرضة للأمراض الفتاكة.
وتضيف آمال أن الجوع والفقر يهددان الالاف من المعلمين والمعلمات بسبب تعنت سلطة الأمر الواقع في دفع رواتبهم وحرمانهم من حقوقهم لما يقرب العامين، بجانب تجاهل وعدم اكتراث ولاة الولايات بأمر المعلمين والانشغال بجمع الأموال لتمويل “حرب الكرامة” ضد مليشيات الدعم السريع.
وقتل واعتقلت وشرد خلال الحرب آلاف المعلمين بمختلف مراحل ومؤسسات التعليم، وفشل الكثيرون منهم في إيجاد فرص عمل جديدة، وتم الإعلان أكثر من مرة عن وفاة معلمين بالمرض او ظروف الاعتقال آخرهم معلم الأحياء وأستاذ قسم التشريح بجامعة ام درمان الاسلامية الدكتور أسامة جلال الذي توفي بمعتقلات الدعم السريع بعد اعتقاله منذ بداية الحرب.
وقالت لجنة المعلمين في بيان سابق إن المعلمين في السودان يعانون من تمييز في صرف المرتبات، وأن بعض الولايات حصل المعلمين على رواتبهم خلال فترة الحرب، بينما الغالبية حرمت من صرف مستحقات المعلمين فيها.
وأكدت أن ثلاث ولايات فقط من أصل 18 ولاية سودانية نال المعلمون فيها جزءاً من مرتباتهم منذ اندلاع الحرب، منها ولاية البحر الأحمر، وولايتي نهر النيل والشمالية، وتعتبر بورتسودان من الولايات الأكثر حظا في صرف المرتبات بينما بعض الولايات لم تصرف حتى مرتب شهر واحد.
وأعلنت لجنة المعلمين بولاية كسلا التوقف عن العمل في جميع أنحاء الولاية، بما يشمل محلياتها الـ11، احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية المتأخرة منذ عامين.
وأكدت اللجنة في بيان أمس الأول أن المعلمين يواجهون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة بسبب تأخر الرواتب، مشيرة إلى أنهم دفعوا ثمناً باهظاً تمثل في الفقر والمرض والحرمان من أسباب الحياة الأساسية.
وانتقد البيان والي كسلا، الصادق الأزرق، متهماً إياه بالعجز عن توفير مستحقات المعلمين، ودعت اللجنة الوالي إلى الاستقالة إذا لم يتمكن من الوفاء بالتزاماته تجاههم، وأعلنت تنفيذ الإضراب الثلاثاء بنسبة كبيرة بلغت 90٪ في العديد من المناطق عدا بعضها، مبينة أن الادارة التعليمية حاولت إفشال الاضراب بالتواصل مع المدراء لكنها لم تنجح لأن الموضوع مربوط بحياة المعلمين وأسباب حياتهم وانقطاع مرتباتهم لعامين.
ويظل شبح الجوع والفقر يهدد ملايين المواطنين بمختلف انحاء البلاد بسبب استمرار الحرب، إذ أكد وزير المالية بسلطة الأمر الواقع جبريل إبراهيم أن وزارته تضع الأولوية للصرف على دعم المجهود الحربي حتى يتم دحر التمرد. وقال المعلم بالمرحلة الابتدائية محمد صالح إن الحرب أمدها طويل والحقت اضرارا بالغة بكافة فئات الشعب من عمال وموظفين ممن حرموا من رواتبهم، وصار الغالبية يعتمدون علي المطابخ الخيرية او التسول لإطعام أبنائهم.
وأضاف في حديث لـ”مداميك” ان المنظمات الاغاثية رغم دعمها المقدر لبعض الاسر ولكن بسبب الاعداد المهولة من اللاجئين والنازحين صارت عاجزة عن الوصول لمناطق كثيرة لعدم توفر طرق آمنة لإيصال المساعدات بعد إصرار طرفي الصراع على الاستمرار في الحرب دون مراعاة للاحتياجات الإنسانية، لافتا الى ان هناك أطفالا وكبار سن ماتوا جوعا ومرضا لعدم توفر العلاج وابسط الاحتياجات الإنسانية.
ط وكان تقرير صادر عن “المرصد العالمي للجوع” أشار لاتساع نطاق المجاعة في السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل 2023، وتأثرت بها أكثر من 12 ولاية من جملة 18 ولاية سودانية.
وأعلن المرصد أن نطاق المجاعة اتسع إلى خمس مناطق سودانية، ثلاثة منها في ولاية شمال دارفور، والبقية بمنطقة جبال النوبة، وتوقع إعلان المجاعة في 17 منطقة بشمال دارفور بحلول مايو المقبل.
وتعتمد كثير من المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة والعون الإنساني على مرصد الجوع في عملياتها، كونه يعطي مؤشرات حول أزمات الغذاء التي تتطلب استجابة تلك المنظمات. وأدت الحرب إلى تشريد ما لا يقل عن 12 مليون مواطن وهناك 25 مليون يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك 15.9 مليون شخص عند مستوى الأزمة، و8.1 ملايين عند مستوى الطوارئ، وأكثر من 637 ألف شخص عند المستوى الخامس، والذي يعتبر كارثياً، بحسب تصنيف الأمم المتحدة.
وكان مجلس الأمن الدولي استمع الي إحاطتين الأسبوع الماضي، من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، إيديم وسورنو، والثانية لنائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الأممية “فاو”، بيث بيكدول. وحذرت وسورنو في إحاطتها، من تأثيرات الجوع الشديد الذي يفرض مخاطر عدة على النساء والفتيات، وعلى الصغار وكبار السن، مشيرة إلى أن السودان هو المكان الوحيد في العالم الذي تم تأكيد انتشار المجاعة فيه حالياً، وأنها تتفاقم بسبب مواصلة الحرب.
وأوضحت المسؤولة الأممية أن “خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في السودان لعام 2025 تتطلب مبلغاً قدره 4.2 مليارات دولار لدعم ما يقرب من 21 مليون شخص، إضافة إلى 1.8 مليار دولار إضافية لدعم خمسة ملايين شخص معظمهم من اللاجئين في سبع دول مجاورة”. ورغم ذلك انتقدت سلطة الأمر الواقع التي يسيطر عليها الجيش في بورتسودان تقارير المجاعة، وجمدت مشاركتها في النظام العالمي لرصد الجوع ومراقبته، مؤكدة أن مثل هذه التقارير تقوض سيادة السودان، واعترضت على ما عرض في مجلس الأمن، مستنكرة ما عدته “محاولات لاستخدام ادعاءات غير دقيقة كأداة للتدخل في شؤون البلاد”.